البيئة الشامية.. بين “الاسترخاص” وغياب الرقابة
الدعاية الرخيصة التي تطلقها أي شركة إنتاج فني لعمل يندرج تحت مسمى “البيئة الشامية”، تأتي تحت عنوان عريض هو “المضمون الجديد والشكل المختلف”، وفي كل مرة يتفاجأ المشاهد بأنه لم يتفاجأ بمضمون جديد بالمطلق.
كما أن افتراض ما يقدم في هذه المسلسلات على أنه استحضار لماضي دمشق، ليس حقيقياً ولا عادلاً، كما أن القول إن الأحياء الدمشقية في فترة ما قبل الخمسينات كانت أنموذجاً للانفتاح أيضاً ليس حقيقي، والصورة الحقيقية هي مزيج من الشكلين.
قد تكون الذاكرة الشعبية تحتفي بمسلسل “أيام شامية”، لما قدمه من مختلف في وقت عرضه في العام ١٩٩٢، لكن محاولة تكرار التجربة وإن نجحت في بعض المرات جماهيرياً، إلا أنها لم تقدم جديداً، إلا مسلسل “الحصرم الشامي”.
وهو مسلسل عرض في ثلاث مواسم أولها خلال العام ٢٠٠٧، إذا اعتمد مرجعاً هو كتاب “حوادث دمشق اليومي” لأحمد بديري الحلاق، وصور واقع دمشق في زمن أسعد باشا العظم، وصراعات تلك المرحلة، وقد عرض برغم عدم موافقة الرقابة آنذاك.
وقد سبق “الحصرم الشامي”، بوجود مرجعية لأحداثه، سلسلة حمام “القيشاني”، التي بدأ عرضها في العام ١٩٩٤ والتي روت ضمن قالب “الحارة الشامية”، جزءاً من تاريخ سورية في ثلاث عقود أسست لشكل الدولة الحديث، فهل يوجد أي عمل شامي غيرهما يروي تاريخاً بمرجعية علمية؟
في كل مرة يطالعنا منتجو الدراما بمسلسلات تسبقها عواصف من الدعاية، من قبيل أن “الكندوش” كان باباً لعودة الممثل “أيمن زيدان” للدراما، علماً أن زيدان يلعب شخصية “الخال” في مسلسل “خريف العشاق”، الذي يتزامن عرضه مع “الكندوش”، ولم يكن ثمة داع لمثل هذا التوظيف الدعائي لاسم زيدان للترويج لمسلسل لم يأت بجديد على مستو النص سوى باسمه الغريب.
وقد سبق هذا عواصف من الصراع عبر وسائل الإعلام بين الممثل “حسام تحسين بيك”، وشركة “قبنض”، التي سبق واشترت حقوق إنتاج “الكندوش”، وتركته حبيس أدراجها.
ولعل صاحب الشركة التي ما زالت ترفض إغلاق “باب الحارة”، لم يكن يرغب بمنافسة نفسه، وليس من باب الوعي بأن نص “الكندوش” لا جديد فيه، فمن ينتج “باب الحارة” لن يتردد بإنتاج أي عمل يجد له مكاناً في سوق العرض الدرامي.
غالباً ما يعتمد منتجو “البيئة الشامية”، على أحداث متكررة، صراع الشخصيات فيها ينتهي عند عتبة الزعيم الذي يأمر وينهي، ويصور الكتاب أن لكل حارة قانونها ودستورها بعيداً عن قوانين تلك المرحلة، بل ويعززون مفاهيم مجتمعية سلبية مثل الثأر من قاتل يلاحقه ذوي القتيل لا القانون، مع إمكانية القتل تحت مسمى “غسل العار”.
كما يتم مط زمن الحلقة من خلال مشاهد العرس التي تصور على أنها “تراث دمشق”، والأجمل أن كل عريس يشهق في لحظة كشفه عن وجه العروس، فهل الجمهور بهذه السذاجة؟!
ثم كيف للرقابة التي تجتهد في قصقصة ما لا ترغب به من نصوص درامية أن تجيز عرض نصوص تسيء للإنسان السوري بتصويره بسذاجة النصوص المكتوبة تحت مسمى “بيئة شامية”، بكل ما فيها من مغالطات لتاريخ المرحلة وقيمها الموروثة واجتزاء العادات بما يخلق صورة نمطية لدى المتلقي تمحو ما دونه كتاب التاريخ السوري؟.
إن استمرارية “البيئة الشامية”، تحت ظل القاعدة التي تقول “الجمهور عاوز كده”، تقع على عاتق الرقابة أولاً، واتخاذ قرار بمنع إنتاج أي عمل لا يقدم مرجعاً تاريخياً محققاً ومدققاً من قبل اختصاصيين يعد تعمداً لتشويه تاريخ دولة تعرف بأنها “مهد الحضارات”، فأي حضارة تلك التي نسوقها من خلال قرارات زعيم هذه الحارة أو عكيد تلك؟.
محمود عبد اللطيف- تلفزيون الخبر