من تراث دير الزور .. “العباية” اللباس الأميز للمرأة الفراتية
كانت تتميز دير الزور سابقاً باللباس التقليدي المميز وخاصة لباس السيدات، حيث تعتبر العباءة الديرية من ضمن هذا اللباس ولها خصوصية وأهمية عندهن وتختلف عن جميع أنواع الألبسة الثانية.
ومما يميز العباءة الديرية أن شغلها يدوي لا يتم فيه استعمال أي آلة أو ماكينة في جميع مراحل حياكتها.
وتحتاج عملية تفصيل عباءة الحبر إلى عملية هندسية حسابية دقيقة متعبة جسدياً وذهنياً وتحتاج خبرة عالية جداً في فن الخياطة اليدوية والتخريج، وكم من امرأة ديرية أتقنت هذه المهنة واشتهرت بها وعاشت منها هي وعائلتها لسنوات وسنوات.
“التخريج” أو التطريز اليدوي هو الخياطة التي لا تعرف ماكينة أو آلة، يشمل القص والخياطة والرسمات والزركشة على العباية النسائية الديرية.
ويتضمن التخريج كل منطقة تزورها الإبرة والخيط وصولاً الى قَطِب آخر خيط في العباية.
وأكثر ما يميز العباية الديرية عن العراقية أو غيرها بأنها “مخبونة” أي مدورة من أسفل أطرافها وعدلة، لأن العباية بطبيعتها عند وضعها على الرأس، تأخذ ارتفاع على حساب اﻷطراف.
وعملية الخبن هي مساواة كل الأطراف من تحت وتدويرها حتى في حين مالت العباية من الأمام أو الخلف تبدو كأنها قطعة واحدة، وتعتبر اِفرنجية الهجر وبطة الجراد ووهبية الشرمان من أشهر الخراجات في دير الزور.
وكانت الخراجة تؤشر عباية كل زبونة بوضع قطعة قماش من عند الرأس تسمى هذه القطعة “الهامة”، الغاية منها لكي لا تضيع هذه العباية مع باقي العبايات.
أما السيدات ميسورات الحال فيُدخلن سلسال ذهب رفيع بالخَرج من جهة الأمام على اليمين واليسار ويُعلقوا عليها قطع ذهبية صغيرة تزين العباية الديرية وتمنحها منظراً جميلاً.
وتتنوع العبايات الديرية منذ تاريخ الأجداد إلى الأحفاد بحسب القِدم، وهي (رأس المبرد – القفطان – صايم الدهر -الحرير – الحَبَر – تقليد الحَبَر – عبايات الموضا).
وعباية رأس المبرد تعتبر من أقدم أنواع العبايات النسائية في ديرالزور و كانت تُلبَس ما قبل عام ١٩٠٠، وأصلها من العراق وهي ثقيلة جداً بالوزن ومزعجة عند ارتدائها خصوصاً من جهة الرأس مصنوعة من قماش يشبه الكريب.
أما عباية القفطان، فهي قديمة جداً قبل اللون الأسود وكانت ذات ألوان مختلفة، وعباية صايم الدهر سورية الأصل، أتت بعد عباية رأس المبرد العراقية وكانت هي الأشهر في الزمان القديم.
أما عباية صايم الدهر فمشغولة من خيط الساتان والنايلون وقليل من القطن سوادها غير فاحم وقماشها رخيص، واستمر ارتداء عباية صايم الدهر حتى بعد ظهور عباية الحبر لكونها رخيصة والحبر غالي جداً.
أما عباية الحرير فهي خفيفة وغالية الثمن، وكان سكان دير الزور يأتون بها من لبنان حصرا، ويسمى الحرير الذي يدخل في حياكة العباية الديرية حرير هندي مدموغ بثلاث خمسات باﻹنكليزي من جهة الخلف لتمييزها عن التقليد منها.
أما عباية الحَبَر فهي اﻷرقى والأشهر والأغلى والأميز، ومن لديها عباءة حبر تتباهى بها بين النساء، وتعتبر من العباءات الشتوية نوعاً ما.
وكانت المرأة الديرية لديها عدة عبايات، فكل عباية ولها حاجتها استعمالها ومشوارها المعين على مبدأ الألبسة الرسمية.
فمثلا عباية صايم الدهر كانت للمشاوير العادية، كالذهاب إلى السوق وشراء الحوائج، أما عباية الحبر والحرير فهي مخصصة للزيارات الرسمية.
وكان تجار دير الزور يأتون بعبايات الحبر من لبنان على شكل طابات، والطابة هي الدرجة القماشية الكبيرة الملفوفة يتم قصقصتها إلى قطع كبيرة مناسبة ثم تنشغل منها العبايات.
والحبر الأقدم نوع خيطه يسمى “حبر فرنسي” يتميز باللون الأسود الغامق وله لمعة مميزة ولعباية الحبر الفرنسي الأصلي خطين من الخلف لضمان الجودة الأصلية.
وكانت المرأة الديرية تقف تحت المطر بعباءة الحبر الجديدة من أجل أن ( تنمطر) العباية الجديدة وتتبلل جيداً بماء المطر، والغاية من ذلك لكي تزداد سواداً ولمعة.
الجدير بالذكر أن العباية الديرية تعتبر الهندام الرسمي والأميز للمرأة الفراتية وهي أرتب وأرقى من العباية العراقية.
وتغنى الشعراء الفراتين فيها كثيرا وبطريقة حياكة العباية الديرية المتقن والمميز ومن بعض الأشعار (عل عين يابو الزلوف عيني يا موليا يم العباية الحبر حلوة يا ديرية.. يم العباية الحبر حلوة عباتِچ ياحلوة يا ديرية زينة صِفاتِچ”
حلا المشهور – تلفزيون الخبر – ديرالزور