الحلبيون يحجون مجددا إلى قلعتهم
لم يتخيل أي من ساكني حلب أن يكون المشوار حول القلعة في يوم ما، مناسبة خاصة بالنسبة له، بعكس ما يحدث اليوم، حيث أصبح المشوار حول القلعة مناسبة خاصة للحلبي، مثله كمثل الآتين من خارج حلب.
ومحيط القلعة، الذي كان من أشد نقاط التماس عنفا بين الجيش العربي السوري وعناصر التنظيمات المتشددة، كان مشوارا تقليديا اعتياديا، لم يشعر الحلبيون بأهميته إلا بعد حرمانهم منه لسنوات عدة، تماما كما كل ما تألفه العين والروح.
وتم احتلال المناطق بمحيط القلعة من قبل عدة تنظيمات منها “جبهة النصرة” و “أحرار الشام” و “أحرار الصاخور” و “تجمع فاستقم كما أمرت” وغيرها من التنظيمات التي سيطرت على هذه المناطق في الشهر السابع من عام 2012، وأصبحت نقاط تماس واشتباكات عنيفة.
وبالرغم من الدمار المتفاوت الشدة، بين ما يمكن ترميمه وما يحتاج لإعادة بناء كامل، الدمار بمجمله يجعل من القادمين لحلب أول مرة لا يصدقون أنه وفي يوم ما كانت هذه الشوارع تزدحم بالناس والقهاوي والمحلات.
مشوار القلعة اليوم يبدأ بحفر من الطين من أي جهة كانت، والطرقات التي اختفى أثر الإسفلت عنها، مرورا بالحفر الكبيرة التي خلفتها الحرب، وصولا لأماكن خراب يبدو من أثارها أنها كانت في يوم ما أماكن يرتادها الحلبيون وزوار محيط القلعة.
في الطريق نحو القلعة، يتموضع ما يعرف باسم سوق الزرب الأثري، أو على الأقل ما بقي منه، ومن كان يعرف هذا السوق أو من شاهده على الأقل بالصور سيعرفه على ما هو عليه حاليا بعد المعارك العنيفة التي جرت حوله وعليه، بخلاف معالم أخرى سيستحيل على الزائر تمييزها.
وقريبا منه يظهر ما تبقى من فندق الكارلتون الأثري، الذي استهدفه أكثر تفجير نفق تحته، ما أدى لتدميره كليا، ولم يبق منه سوى خرابه ودماره وصور من كان يعرف هذا الفندق الأثري، يكتفي اليوم زائر القلعة بصور يلتقطها قرب سيارة “سيترون” سوداء قديمة ما زال هيكلها الخارجي باقيا شاهدا على ما حدث، قال بعض من تصور قربها أنها كانت تقل العرسان “أيام أعراس أيام زمان”.
إلى الأمام قليلا يتموضع أحد أشهر خانات حلب، خان الشونة الذي يشي بابه غير المتضرر مقارنة بما بداخله وما يحيط به كأكوام الحجارة والقناطر القليلة المتبقية من المدرسة الخسرفية والحيطان المتقلقلة المتبقية من جامع “السلطانية.
وعلى طول المحيط يذكر الحلبيون أسماء مقاهٍ وبسطات ومحال “كش وشوي” كانت تجمع أيامهم ولياليهم، بدءا من بيرويا المقابل لبناء الهجرة والجوازات القديم والذي تضررت زاويته المقابلة للقلعة بشكل واضح، مروراً بأريكا ودار ورد وصولاً حتى الطرف المقابل والمجاور وما بقي من إعدادية الزهراوي.
محيط القلعة الدائري والشارع المعروف باسم “القلعة” أو “حول القلعة” الطويل المتفرع عنه عدة شوارع منها شارع البياضة، نسبة لمنطقة البياضة القريبة، بات يجمع الحلبيين مجددا.
ويتوزع على طول شارع حول القلعة بقايا محلات تجارية عدة يغلب عليها الطابع الأثري تفتح اليوم واقعا جديدا من مشاكل متراكمة حول ملكياتها وعائديات تعويضها وترميمها، بعض أصحابها زاروها اليوم وبعضهم حمل معوله وبدأ بترميم ما لم يتأذى كثيرا إثر المعارك الطاحنة حولها.
واليوم، مئات الحلبيين قطعوا طريقهم باتجاه القلعة ليقفوا على سورها وأمام أبوابها التي لم تفتح للزوار بعد لتجمعهم مجددا، كما رمزيتها التي انتصرت مجددا، لا يعنيهم كثيرا ما خسرته المدينة والبشرية من تراث وحجر وبناء، فالحرب توقفت والقلعة لم تسقط، وكل ما عدا ذلك هو مشاريع أفكار مؤجلة للحلبي الذي أرهقته الحرب وأثقله ما فعلت بحياته اليومية التي تغيرت كليا.
وتبدو الحياة الطبيعية متسللة وسط الركام وبين الخراب لترى على تل القلعة “شلة” من الأطفال يعيدون للناظر صورة من حلب محيط القلعة ما قبل الحرب، يتسلق الأطفال التل خلال دقائق وصولا حتى سور القلعة.
تلتقي “شلة” الأطفال بحاميتها من الطرف المقابل في السور و”يتزلجون” نزولا على قطعة خشب أو صفيح معدني مسافة تقدر بـ 50 مترا أو يهرولون نزولا، ضاحكين بصخب لبعضهم الذي أكمل نزوله تدحرجا ليرتمي في نهاية المنحدر جسدا لاهثا في الخندق لثوان وينتفض ضاحكا وراكضا.
ثم يعود الزائر من حيث بدأ مارا بشارع خان الوزير، أحد الشوارع التجارية في حلب، في مشوار معظم أهالي حلب قاموا به بعد التحرير، منهم للمرة الأولى يقوم به قاصدا متقصدا هكذا مشوار لم يكن يدري أنه سيأتي يوم يشكل له هذا المشوار الدائري، الذي لم يكن مشوارا بالمعنى الحقيقي بل طريق يومي للبعض ونزهة للبعض الأخر، حلما.
علاء خطيب