حمص.. “لانقش عالحجار السود الغنّيات”
تسير في شوارع حمص التراثية فتلاحظ وجود هوية طُبعت بها حمص وهي هوية “الحجارة السود” و تعبر تحت ما تبقّى من قناطر و التي تسمّى “السيباط” فينتابك شعور بالحنين إلى المركزية الأولى في زمن الفوضى.
“نوستالجيا” غريبة تداهمك في عقر روحك، فهذه الحجارة تنبيك عن ما كان من حال أقوام عبروا على مرّ التاريخ في هذه الأرض و شكّلوا طابع معماري تتفرّد به “إميسا” و هو الاسم القديم لحمص.
و عن “السيباط” يقول الباحث عبد الكريم الناعم لتلفزيون الخبر: “السيباط مفردها ساباط وهو بناء يسقف جهتين من الشارع فيعبر تحته المارّة لحمايتهم من سطوع الشمس و بلل المطر، و يُلاحظ به ثغرات سقفية لوضع المصابيح بها “.
و يتابع الناعم: “كان في حمص عدد كبير من السيباط لم يتبق منها إلا القليل تعود لمئات السنين و أساس بنائها الحجر الأسود البازلتي”.
و لفت الناعم إلى أن “الأبنية التي تجاور السيباط كلّها من الحجر الأسود البازلتي و تزيّن بحجارة بيضاء فيسمى البناء “الأبلق”.
و أردف الناعم: “امتازت حمص بحجارتها السوداء البازلتية التي ذكرها الشاعر المهجري الكبير نسيب عريضة في قصيدته “حمص يا أم الحجارة السود”، حيث كانت وصيته ضمن القصيدة (عُد بي إلى حِمصٍ ولو حَشوَ الكَفَن.. واهتِف أتيتُ بعاثِرٍ مَردودِ ..واجعَل ضريحي من حِجارٍ سُودِ)
و ذكر الناعم أن “هذه الحجارة السوداء منتشرة طبيعياً بكثرة في منطقة الوعر غرب حمص، و هنا يعود سبب تسمية هذه المنطقة لوعورة أرضها بسبب الكم الهائل من قطع البازلت”.
و نوّه الناعم إلى أنّه “كان هنالك مهنة مشهورة قديمة جداً في حمص و هي تقطيع الحجر البازلتي الأسود و صقله، وما تزال حتى الآن كنية “الحجّار” موجودة ضمن عائلات حمصية”.
صخر بركاني
يقول أحد المشرفين على منشأة لتقطيع الحجر والرخام المهندس المعماري ويوسف الرضوان لتلفزيون الخبر: إن “الحجر الأسود من الناحية الجيولوجية هو صخر بركاني الأصل”.
ويتابع الرضوان “لكن يختلف عن الصخر البركاني “الغرانيت” بأنه يتصلّب بالقرب من سطح الأرض على تماس مباشر مع الهواء، ممّا يعلل طبيعة ملمسه و تكوينته (غير الصمّاء).
ويضيف الرضوان: أن “من أكثر البقع الموجود بها البازلت في العالم هي سوريا والأردن وفلسطين (الخط البركاني قديماً)، و على الأراضي السورية موجود بكثرة في محافظة حمص ومنطقة السلمية ومنطقة كفربهم في ريف حماه و في محافظة السويداء”.
و لفت رضوان إلى أن “البازلت يتدرّج لونه حسب تواجده في حمص حيث يكون لونه أسود مائل للأزرق و يبدأ بالميلان إلى اللون الأحمر كلما اتجهنا شمالاً”.
و حول ميزات الحجارة البازلتية السوداء من حيث الصلابة قال رضوان: “يعتبر البازلت السوري عموما و الحمصي خصوصا من أصلب الصخور المنتجة عالمياً، فصلابته توازي صلابة “الغرانيت”.
وأردف ” فهو أصلب من الرخام الكلسي “التركي و الإيطالي” و أصلب من الحجارة الجيرية الاسبانية”الباوربيج”. و من أهم مكونات البازلت هي مادة “السيليكيا” و “أكسيد السيليسيوم” المستخدمان عالميا في صناعة مانعات الرطوبة بعد طحنهم”.
و أشار رضوان إلى “قيام بعض المهندسين المعماريين سابقا بإنشاء أكبر مصنع للصوف البازلتي في منطقة الشرق الأوسط بحمص حيث يعتبر الصوف البازلتي أفضل أنواع العوازل الحرارية الذي يستخدم في الأفران و عوازل مواد البناء”.
و لفت رضوان إلى أن “الحجر الأسود الحمصي البازلتي استخدم قديماً في بناء النسبة الأكبر من عمرانية مدينة حمص من مبانٍ و سور وأبواب مدينة حمص التاريخية”.
و حديثا تستخدم الحجارة السوداء البازلتية كحجر إكساء بسماكة 2 أو 3 سم و تستخدم كأطاريف للأرصفة بسماكة 10سم. و تستخدم ككتل للنحت بسبب حجومها الكبيرة، كما أنّ معظم استخدامها يتمحور أيضاً في تبليط أرضيات المعامل و المنشآت بسبب تحمّله الهائل للأوزان الثقيلة.
ويذكر الباحث عبد الكريم الناعم لتلفزيون الخبر أنّه في أيامنا هذه ومع انتشار “الخفّان” فقدت حمص هويتها المعمارية المتفرّدة و لم يبقَ إلا مفردات تراثية كـ “بيت الآغا” و قصر الملكة جوليا و قهى الفرح التراثي و السيباط.
حسن الحايك-تلفزيون الخبر