الولادة بعد الموت .. اليابان من الدمار نهضت بالمورد البشري فقط
على وقع أكثر من مليوني قتيل مدني وعسكري وأكثر من خمسمئة ألف مفقود ، وبعد أن تم ضربها بقنبلتين نوويتين من قبل الولايات المتحدة الامريكية، خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مستسلمة بشكل كامل لقوات الحلفاء في عام 1945م، عندما أعلن امبراطور اليابان استسلامها الغير مشروط على المذياع .
للمرة الأولى في تاريخها تتعرض اليابان للاحتلال ،حيث كان لقوات التحالف حكمٌ مباشرٌ على جزر اليابان الرئيسية (هونشو، هوكايدو، شيكوكو، كيوشو)، كما تم تقسيم حكم الجزر المحيطة والمناطق الأخرى بين قوات الحلفاء ، ومع نهاية عام 1945م كان قد دخل إلى اليابان أكثر من 350 ألف جندي أمريكي بقوا لمدة سبع سنوات تقريبا .
بأبنية ومدن وبنى تحتية مدمرة بشكل لامحدود ، ومع شعب لحقت به كل عوامل المهانة والهزيمة ، عانى اليابانيون، بعد حل الحكومة والجيش في اليابان وتدمير محلات البيع في المدن الرئيسية، من الجوع، ولم يتمكن ملايين اليابانيين من الحصول على الطعام بانتظام لعدة سنوات بعد الاستسلام .
أول عشرة أيامٍ للاحتلال سجلت أكثر من ألف حالة اغتصاب في محافظة واحدة كمثال ، كما تعرض مئات الالاف من اليابانيين للتهجير من الجزر التي اقتسمتها قوات التحالف ، وأوقفت الصناعة اليابانية قسراً كجزء من عمليات منع اليابان من إعادة بناء جيشها .
رغم الموت والاستسلام المهين، وبعد أن بدت اليابان لسنوات عديدة أشبه بدولة مهزومة من دول العالم الثالث ، وفقيرة بشدة للموارد الطبيعية ، الا انها قررت النهوض بالمورد الوحيد الموجود لديها وهو المورد البشري وتنميته ، فاجتمع علماؤها وتباحثوا، وقرروا العمل بمشاريع نهضوية كبيرة، كان على رأسها إرسال مبتعثين لكل دول العالم، و كانت لديهم “تساؤلات علمية”.
و مع منتصف الخمسينيات، عاد الإنتاج الصناعي إلى مستواه قبيل الحرب تماماً ، مستغلة الحرب الكورية التي مكنت اليابان من التمتع بنمو اقتصادي سريع. استعاد اقتصاد اليابان مستويات ما قبل الحرب بالإنسان الياباني و بطريقة أذهلت العالم بكيفية اشاعة فكر النهضة وبناء الانسان .
وأثناء فترة الستينيات، كان الإنتاج الاقتصادي ينمو بمعدل 10% سنويًا ، 5% سنويا خلال السبعينات، 4% سنويا خلال الثمانينات ،وشكلت الألعاب الأولمبية في طوكيو في سنة 1964 نقطة البداية.
واستفادت الحكومة اليابانية إلى أبعد الحدود من مشاريع الأشغال العامة العديدة لكي توسع الاقتصاد الياباني، وتعيد اعمار البنى التحتية ،مثل خط القطار السريع وأنظمة الطرق السريعة، والمرافق الرياضية.
استطاعت اليابان أن تضع الخطط الاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية فاكتسحت أسواق العالم بسلعها ذات الجودة العالية وإنتاجها العظيم برغم فقرها بالموارد الطبيعية وطبيعة أراضيها الجبلية التي تغطي 85 % من مساحتها وعدد سكانها الكبير ومع ذلك حققت نجاحاً اقتصادياً كبيراً بهر العالم وصارت مقصداً للباحثين ليتعرفوا على أسرار نجاحها.
واليوم تعد اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدماً في العالم. ويحتل الناتج القومي الإجمالي (قيمة السلع والخدمات المنتجة في اليابان خلال عام واحد) المرتبة الثانية على مستوى العالم، كما تتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل “تويوتا”، و”سوني”، “فوجي فيلم” و”باناسونيك” بشهرة عالمية.
واليابان اليوم هي احدى أعضاء “مجموعة الثمانية” والتي تضم الدول الصناعية الكبرى في العالم، وقد بلغ التفوق الصناعي الياباني أهم المنتجات ، بما فيها السيارات والحواسيب والحديد والفولاذ ومواد البلاستيك وأجهزة المذياع والتلفاز، كما تعتبر اليابان من البلدان التجارية الرئيسية.
توضح التجربة اليابانية الفرق بين بلدان تموت ثم تولد من جديد وبين بلدن تموت ثم يُبكى على أطلالها ، واليوم تعد اليابان واحدة من عمالقة الصناعة في العالم بالإرادة والادارة وبوعيها بما لديها من نقاط قوة و نقاط ضعف وبالإبداع في الاستثمارات والصناعات .