العناوين الرئيسيةفلاش

“شهد” ابنة السنوات التسع تفتح بابتسامتها الباب أمام آلاف الأسئلة: أنا مجهولة النسب.. أهلي رموني

“أنت كتير حنونة” تقول “شهد” ابنة السنوات التسع التي تتسوّل بين الحانات والمقاهي في باب شرقي – دمشق قبل حصولها على أي مبلغ أو اهتمام.

تجيب الطفلة صاحبة الشعر الأشقر المجعد عن سؤال حول عائلتها “مابعرف رموني من زمان”، لتتحول صاحبة العيون العسلية والابتسامة اللطيفة إلى تجسيد لمئات الحالات المماثلة من الأطفال مجهولي النسب.

مراقبة “شهد” من بعيد قد تكشف الكثير من التفاصيل المخبئة وراء الحاجة والتسول. تسير الطفلة في الشارع وكأنها فراشة تحوم حول الناس، تتقرب منهم بود، تلاعب الأطفال، ليست مجرد متسولة، هي طفلة تبحث عن مجتمع يحتضنها، عن عائلة.

تفتح الطفلة من دون أن تدرك الباب على مصراعيه أمام مشهد يمكن أن نراه لمئات الأطفال المماثلين لحالتها، خصوصاً بعد وقوع حوادث عدة خلال الفترة الأخيرة تم خلالها رمي أطفال في الشارع وأمام أبواب المساجد ودور الرعاية ليغدو “بلا نسب”.

ينظر كثيرون إلى الأطفال مجهولي النسب على أنهم “لقطاء”، ليتحولوا من ضحايا إلى مذنبين، وتتحول ظروف وتصرفات لا ذنب لهم فيها إلى “وصمة”، ويغدو اسمه “لقيط” أياً كان الاسم الذي سيطلق عليه يوماً.

أطفال مسجّلون في الذاكرة 

الأسامي التي حاول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا وبعض الأطباء “الطبطبة” بها على الملح فوق الجرح الناتج عن حوادث التخلي وتداعياتها على قلوبهم وآثارها النفسية وانعكاساتها على مزاجهم بعد انتشار هذه الظاهرة بطرق مختلفة، مؤخراً، في البلاد مثل حادثة الطفلة “روح”، كما أُطلق عليها.

“روح” التي لم تكمّل شهرها العاشر بعد لترمى على قارعة الطريق أمام إحدى المشافي الخاصة في اللاذقية دون أي دليل عنها، ولا تحمل معها سوى ابتسامة توقظ شعور الندم بمن حولها وعيون واسعة تحدثّهم عن عدم الإنسانية.

وتميّز الطفل “فجر” عن “روح” باقتنائه ورقة مكتوب عليها “ابن حلال” التي كانت بمثابة متفجرات في دماغ من عثر عليه مرميّاً في مدخل بناء في “ضاحية أبي الفداء في حماة ولا يتجاوز عمره الـ 40 يوماً، ما يفتح الباب أمام أسئلة حول مصير فجر وروح.

ولابد من استرجاع حادثة حصلت قبل أيام من عيد “الأضحى” عام 2021 هزّت الرأي العام في دمشق، بعدما رمى أحدهم طفله الرضيع أمام بناء سكني، ليتحول هذا العيد مستقبلاً إلى ندبة لن تمحى من تاريخ وذكريات هذا الطفل.

وذكر أهالي حلب حادثة “ليلى والذئب” بعد رمي أحدهم طفلة سوريّة أمام شجرة وتخلّى عنها للكلاب والذئاب والفئران في إحدى المزارع في حلب، عام 2021.

الانعكاسات النفسية على هؤلاء الأطفال 

تقول الاستشارية النفسية والاجتماعية والتربوية “هبة موسى” لتلفزيون الخبر إن “الأطفال مجهولي النسب لديهم مشكلات نفسية واجتماعية سواء في وجود أسرة بديلة أو في المؤسسات أو المراكز أو الجمعيات التي تعنى برعايتهم أو الذين كبروا وترعرعوا في الشارع عبر استغلالهم بطرق عديدة للتسول”.

وتضيف “موسى”: “مرحلة الطفولة والمراهقة المبكّرة هي مرحلة التأسيس، وتعتبر أهم فترة في حياة الإنسان من الناحية الصحيّة والتعليميّة والنفسيّة، أي مرحلة ترسيخ الأفكار والعادات والسلوكيات، حيث يتأثر الطفل ببيئته أي أسرته ومدرسته ومحيطه، وبالتالي تتشكّل شخصيته”.

وتشير “موسى” إلى أن “الطفل يواجه وصمة اجتماعية وأخلاقية، ومن الممكن أن يكون فاقد للأوراق الرسمية أو أن ينظر له المجتمع على أنه درجة ثانية، وبهذه الحالة التعيسة للنظرة الاجتماعية الجارحة يكبر الطفل ويدرك أنه مختلف عن أقرانه ويسأل نفسه أين أسرتي؟”.

وترى “موسى” أن “الطفل مجهول النسب بحاجة لرعاية مضاعفة مقارنة بتربية الأطفال ضمن أسرة دافئة لأن الهوية عند الإنسان هي مطلب أساسي، وعندما تكون مضطربة وغامضة ومشوهة يبحث الطفل على والديه ويسأل نفسه لماذا أنا مرفوض؟ ويبدأ بالسعي وراء الانتماء مثل الطفلة “شهد” التي بحثت عن الحنان”.

يشار إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تعاونت مع دور الرّعاية والجمعيات والمراكز والمؤسسات التي تعنى بالأطفال مجهولي النسب وفاقدي الرعاية الأسرية في “دمشق” لتأمين ملاذٍ آمن لهم حال وجودهم.

كلير عكاوي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى