فلاش

بطل سوري يروي تفاصيل عملية تحريره الأسرى من سجن “الكوبرا” وعودته من الموت بعد عامين

مسح حنجرته بقليل من الصمت عندما سألناه ورفض بتحبب الاجابة قائلاً “لي عذري في ذلك”، فتفهمنا ظروفه وتوجهنا نحو قريته وأهله في خربة التين بريف حمص الغربي.

في خربة التين، وقرب الاتوتستراد الدولي حمص – طرطوس، كانت هناك صورة كبيرة على أحد الأبنية الموشحة باللون الأحمر، للشهيد (محمد ، خ) نزعتها أم محمد قبل عامين من الآن بقسوة أظافر الأم المكلومة وتركت بعضاً منها ملتصقاً إلى الجدار.

أخبرتنا الأم أن “ضريحاً حفرته بيديها جنوب القرية لتدفن ابن قلبها محمد”، ضريح بقي فارغاً لعامين، تركزت في زاويته قطعة رخام حفر عليها اسم الشهيد وتحته صورته باللباس العسكري وشحها خط أسود من أعلى اليسار، وعندما عاد ابنها دفنوا فيه عمه الشهيد آصف.

جهزت الأم لجثمانه كل شئ كأنه تجهز لعرسه الأبدي، وهي غير مقتنعة، فكان ثمة نبي في قلبها يخبرها أن ابنها مازال على قيد الحياة رغم عشرات المعزين وبرقية الاستشهاد من قطعته العسكرية.

بعد العزاء، صرحت أم محمد عدة مرات بأن “محمد مصاب ولم يمت”، ولكن الجميع كان يعتقد أن الأم بدأت “تهلوس” بمصابها، فتوقفت عن التصريح وارتدت الأسود مقسمة ألا تغيره طوال حياتها، ونذرت أن تزهد الطعام والشراب حتى يعود ابنها، فسقطت اسنانها وتراجعت حالتها الصحية، و عاد الابن بعد عامين من الأسر ولم تزل على نذرها.

(محمد،خ) من مواليد دمشق عام 1990 درس فيها وتطوع عام 2011 لصالح إحدى القوى الأمنية، وتنقل في أقسامها قبل أن ينتقل إلى محافظة القنيطرة، وبعد التحاقه بعمله في القنيطرة تم تكليفه مع زملائه بمؤازرة إحدى النقاط العسكرية على معبر القحطانية بتاريخ 27-8-2014 والتي كانت تتعرض لهجوم عنيف من قبل “جبهة النصرة”.

وقبل وصول المؤازرة نصب عناصر “النصرة” كميناً لهم، وجرى اشتباك بالاسلحة المتوسطة والخفيفة استمر لعدة ساعات قبل أن يصاب محمد وينسحب رفاقه، ولأن اصابته كانت بليغة لم يتمكن من الانسحاب وبقي ينزف في مكانه ليغيب اثرها عن الوعي.

أبلغ العناصر وحدتهم بإصابة محمد واستشهاده، موضحين أنهم لم يتمكنوا من سحب جثمانه نتيجة الاشتباكات العنيفة وسيطرة المسلحين على المنطقة، فتم ابلاغ ذويه أصولاً باستشهاده وجرت مراسم العزاء أصولاً كما قبض ذووه تعويضات الشهيد بعد مدة من الزمن.

وبقي محمد لمدة يومين في أرض المعركة غائباً عن الوعي قبل أن تتمكن دورية للعدو “الاسرائيلي” من أسره، ومن ثم نقله للعلاج في احد المستشفيات، وبقي عند العدو “الاسرائيلي”، لمدة تزيد عن شهرين، وعندما لم يتمكنوا من استجوابه تم تسليمه إلى “جبهة النصرة”، والتي بدورها نقلته إلى سجن كوبرا بريف درعا، ليبدأ مسلسل التعذيب في أقسى حلقاته.

تم التحقيق مع محمد من قبل أشخاص أجانب وسوريين، فنزعوا أسنانه باستخدام “الكماشة”، كما نزعوا أظافر يديه وقدميه أيضاً، ونكلوا بمكان اصابته التي لم تتعافى بعد، ليصار إلى نقله لقسم المنفردة، التي بقي فيها أكثر من سنة ونصف.

وعلم تلفزيون الخبر من مصادر مسؤولة أن الشاب (محمد،خ) تمكن خلال فترة الأسر من التنسيق مع عامل السخرة الذي يحضر له الطعام، وهو أسير أيضاً، من عناصر الجيش العربي السوري، وخلال 4 أشهر من التنظيم والتخطيط لعملية الهروب تمكن محمد فجر 25-7-2016 من الهرب والاستيلاء على بندقية روسية قتل بها مسؤول المقر، المدعو يوسف أكراد، واثنين من عناصر “النصرة”.

فتح محمد الزنازين بمفاتيح السجان المقتول وأخرج منها 13 أسيراً بينهم ضباط وصف ضباط وأحد أفراد القوات الرديفة، ونقلهم بوساطة سيارة نوع فان كانت “جبهة النصرة” تستخدمها في محيط سجن الكوبرا، وأخذ من مقر السجن 4 بنادق كلاشينكوف ومسدس حربي وقنابل يدوية وبندقية m16 أمريكية وكاميرا ليلية وقبضات لاسلكي وكمبيوتر محمول لمسؤول المقر المقتول.

اجتاز محمد 3 حواجز لـ “جبهة النصرة” وميليشيات “الجيش الحر” دون عقبات تذكر، وقبل وصولهم إلى حاجز خربة غزالة التابع للجيش العربي السوري قادمين من مناطق سيطرة المسلحين، فتح عناصر الحاجز النيران على السيارة التي يستقلونها، ما أدى إلى إصابة أحد العناصر قبل أن يتعرفوا عليهم ويتم نقلهم إلى مكان آمن.

ونقل محمد ورفاقه الأسرى إلى دمشق، وعند أول فرصة اتصل بأهله في القرية ليغلق والده السماعة عندما سمع “كيفك بابا؟” ظناً أن المتصل مخطئ، فعاود محمد الاتصل لتجيب والدته وتتعرف اليه مع أول كلمة، وتصدق رواية نبي قلبها بان ابنها مايزال على قيد الحياة.

وقال أهالي القرية أن محمد شخص محبوب ودمث وشديد الذكاء، وأنهم لم يتوقعوا يوماً أن “النصرة” تتمكن من قتله، وأنهم انتظروا منه شيئاً ما غير متوقع.

وعاد المقاتل (محمد،خ) إلى محافظة حمص بعد أن تم تكريمه بثناء، نظراً لاخلاصه وتفانيه في عمله وبدأ رحلة العلاج.

محمد علي الضاهر – تلفزيون الخبر  – حمص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى