العناوين الرئيسيةبالمشرمحي

الخالة أمونة: بذِّروا في الفرح فأنا “متفائسة”

كلما ظننت أنني اقتربت من آخر النفق، تتبدَّد ظنوني وتنهار، ولذلك وضعت “ليدات” مع بطارية “ماكنة” كي أستعيض عن الضوء الذي لم أعد أعقد عليه أية آمال، طالما أن النفق ممتد، والعتمة لدينها، والظلام دامس، والليل طويل.

وبالنسبة لمقولة “خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، أولاً ليس لديّ مكان لأخبئه، وثانياً من كثرة سواد أيامي لم أعد أراه، خاصةً أنه صار من وزن الريشة ويطير بلمح البصر، بعدما كان يخزي العين من الأوزان الثقيلة، لكن على ما يبدو لا العين انخزت، وأنا ما عدت أملك الطاقة اللازمة للحاق بالأسعار التي تحلِّق في سابع سماء.

فسحة الأمل التي تحدث عنها المرحوم “سعد الله ونوس” سمعت أن أحد أبناء الذوات استثمرها، وباتت الدخولية إليها، بعشرات الآلاف، لاسيما بعدما أصبحت مفردات كالرجاء والأمل والفَرَجْ بمثابة عملة نادرة، وبات المرء بحاجة إلى فتّ عملة حتى لمشاهدة مثل تلك الفسحة المزعومة.

أما ما يتعلق بالصبر ومفاتيحه، فقد جرَّبتُها كلَّها من دون أن أفلح بفتح ولا باب من أبوابه، وكأن “جوزة” تلك الأبواب مصدّية، أو على الأغلب تمَّ تغييرها كي لا تتناسب مع مفاتيحي، وصرت على تحدٍّ مع الجميع، بأن أيّوب لم يتحمَّل ما تحمَّلته وأتحمَّله مع من يشبهني.

وأكثر ما يغيظني هو أنني لم أعد قادرة على تحقيق مقولة “الخبز الحاف بيعرِّض الكتاف”، صحيح أنها كانت بدعة من أهالينا الفقراء ليعضوا علينا نقص الغذاء، لكن للحق أنه ليس هناك أطيب وألذ من الخبز الحاف الطالع من الفرن، ولأنه كذلك حرمونا من نكهته التي ترد الروح، وقللوا حصتنا منه، وكل الخوف من “توطينه” المزعوم.

وبالنسبة للقول المأثور “القناعة كنز لا يفنى”، فإنني أؤكد لكم أنه لم يبقَ لدي ولا “قنعونة” صغيرة، بعدما صرفت كل مخصصاتي من ذلك الكنز، وأدركت أنه يفنى مثله مثل غيره، إلا إن كان متكئاً على حساب بنكي “ماكن”، أو على مُحاسبة بالعملة الصعبة، وهذه بالنسبة لي أصعب من دخول جمل في خرم إبرة.

وأفضل شيء أصنعه حتى الآن هو تطبيق سياسة “اعمل نفسك ميّت”، لأن التجار، ومسؤولو حماية المستهلك، ومحللو الاقتصاد، ومُدبِّجو الخطب اللاذعة ضد إنسان جالس مهدود الحيل، وغيرهم، كلّما أحسُّوا أنني وبعض من هم من طينتي، ما زلنا نتنفس، فإنهم يتسابقون في قراراتهم لإيقاف ذاك النفس المتبقي.

وكي لا يتم تصنيفي تحت بند المتشائمين، الذي أرفضه رفضاً قاطعاً، فإنني أضع نفسي تحت مسمى “المتفائسين”، بمعنى أنني متفائلة رغم اليأس المُدْقِع، فما زلت أفرح لتفتُّح زهرة، ولابتسامة طفل، ولنجاح طالب، ولنسمة باردة جافة، ولشربة ماء من نبع صافٍ، ولطبخة “باذنجان مطبق”، وغيرها الكثير.

وبعيداً عن النظريات والفلسفات الخاصة بأوقات الأزمات والحروب والتي تدعو إلى التقشُّفات المريرة في كل شيء، أدعوكم، ومن دون وصفات جاهزة، لأن تُبذِّروا بالفرح أينما استطعتم إليه سبيلاً، وكُلَّما تمكّنتم من القبض على عنق لحظاته الطائشة.

بديع صنيج- تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى