زوجة الأب ظالمة..المحامي كذّاب.. الخياط نسونجي.. لماذا نطلق أحكاماً نمطية ونتمسك بها؟
“بدك تصير حلاق نسواني؟ هدول كلهم طنطات”، كانت هذه الجملة المزعجة أول ما سمعه “قيس” (18 عاماً) على لسان كل من أبدى أمامهم رغبته بالعمل في هذه المهنة التي تشده منذ كان صغيراً، واضعة إياه في حيرة وتردد من “وصمة” قد تلحق به، وتمنعه من العمل في المجال الذي يريد.
الأطباء أثرياء، النساء ثرثارات، زوجات الأب شريرات، المحامون كذّابون، وغيرها آلاف من الأحكام النمطية يؤطر المجتمع من خلالها جماعة ما، في إطار لا يقوم على حكم واقعي أو معرفي، لكنه “عُرف” متوارث، يتحول إلى سمة عامة لهذه الجماعة.
يعرّف التنميط وفقًا لعلم النفس الاجتماعي بأنه الحكم الصادر عن وجود فكرة مُسبقة عن فئة معيّنة، فيقوم الفرد بإلباس صفة العمومية على كلّ الأفراد الذي ينتمون لمجموعة ما بناءً على فكرة أو ذاكرة أو تجربة سابقة معيّنة، ويُشار إليه أحيانًا بالصور أو القوالب النمطية.
مصطلحُ الصورةِ النمطيّة Stereotype
الستريوتايب مشتقٌ من أصل إغريقيّ، Stereos تعني “راسخ قوي” typos تعني “انطباع”. والمعنى الحرفيّ (انطباعٌ قويٌ لفكرةِ أو نظرية)،
اشتق المصطلح من عالم الطباعة والصحافة، حيث يشير إلى «قالب يعد للطباعة ويصعب تغييره بعد صنعه»،
زوجة الأب الشريرة دائماً..
هلا، طالبة جامعية، تقول لتلفزيون الخبر :” لم يكن أحد يصدقني عندما أتحدث عن معاملة زوجة أبي الجيدة لي، حتى أنني أعتقد بأنه لو كانت أمي على قيد الحياة، ما كانت لتكون أكثر حنواً، ويقابلني الناس بالاستنكار والتشكيك، أو في أحسن الأحوال يختمونها ب ” أي بتصير بس ديري بالك منها”، الأمر الذي يضحكني حقاً.
وترجع الصورة النمطية عن زوجة الأب، إلى تصويرها في قصص الأطفال بهذه الطريقة دائماً، فمن منا لم يتعاطف مع ” بياض الثلج” التي أرسلتها زوجة أبيها الساحرة الشريرة إلى الغابة لتتخلص منها، إلى جانب تركيز الإعلام دائماً على قصص تعذيب زوجات الأب لأولاد أزواجهن، وحكايات الظلم التي تثير العواطف وتخلق الكراهية المسبقة، على الرغم من أن الواقع مختلف في أحيان كثيرة.
وأكثر من ذلك، فربما تبلغ نسبة الأمهات المعنِّفات لأولادهن أضعاف نسبة زوجات الأب، غير أن ذنبهن مغفور لمجرد أنهن من أنجبن، هذه النظرة جعلت “نسرين” تتردد كثيراً قبل قبولها الزواج برجل مطلق ومعه أولاد، “مهما فعلت ومهما حاولت سأبقى زوجة أب، ولو عاملتهم بنفس حزم الأم، ستقوم الدنيا ولن تقعد على رأسي”.
الطبيب الجالس على “تلة مصاري”
مؤيد، طبيب من مدينة حمص، في نهاية الثلاثينات، يقول لتلفزيون الخبر” يستغرب الناس في قريتي أنني لا أمتلك سيارة حتى الآن، فالنظرة العامة تقول إنني طبيب فهذا يعني أنني أجلس على “تلة مصاري”، والحقيقة أنني لم أقدر حتى الآن على شراء عيادة”.
ويتابع الطبيب ” أعرف الكثير من الأطباء أوضاعهم أسوء أيضاً، ورغم ساعات التعب الطويلة، فإن قلة منا استطاع في السنوات الأخيرة أن يدّخر شيئاً، فيشتري سيارة أو عيادة أو حتى منزلاً، فنحن أيضاً نعاني ارتفاع أسعار كل شيء”.
وفي سوريا، وربما في بلدان أخرى، تصل الأحكام النمطية لتنال سكان محافظة أو منطقة ما، ففي محافظة طرطوس مثلاً يوسم أهل إحدى القرى بالبخل، لدرجة أن أي شخص بخيل من خارجها ينسب إليها، ودون وجود أساس لهذا الحكم، سوى أقاويل مكرورة، وقصص متناقلة غير موثوقة.
فابن حمص صاحب نكتة، وابن درعا ثري، وابن حلب يحب الطعام، وغيرها الكثير، مما لعب الزمن دوراً في ترسيخها، وتحولها إلى ما يشبه “النكتة”، التي على الجميع تقبلها كحقيقة مسلم بها، ولا بقبل البعض حتى الطعن فيها.
في الجامعة، يقول كرم (طالب هندسة معمارية)، لتلفزيون الخبر إن “النظرة بأن الشاب ذو الشعر الطويل لابد وأن يكون طالب في كلية الفنون الجميلة، وكذلك الطالبة التي ترتدي لباساً فضفاضاً غريباً مع ألوان كثيرة واكسسوارات كبيرة الحجم”.
ويضيف “ومثل ذلك، فالطالبة التي ترتدي نظارات طبية دون اهتمام كبير بالموضة والمكياج، هي بالتأكيد طالبة طب، وأما من تبالغ في اتباع الموضة فهي طالبة آداب، وعلى هذا الأساس تصنف الشهادة الجامعية على أساس ما يرتديه الطالب”.
وتحققُ الصورةُ النمطيّةُ عدداً من الوظائف منها تبريرُ التمييزِ والجهلِ، وتدفعُ للعزوف عن إعادةِ التفكير حول المواقف والتصرفات المسيئة للمجموعةٍ التي تمَّ تنميطها، وبالمقابل تمنعُ الأفرادَ الذين تمّ تنميطهم سلبيّاً من النجاح في مجالات معينة وتحرمهم من الحقوق والصلاحيات.
لا تتغير الثقافة الاجتماعية بسهولة، وعادة ما يدعم المجتمع معتقداته بأمثال شعبية أو مقولات تثبت صوابية رأيه وتعميمه، وتلعب وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، وحتى بعض الأفلام والمناهج الدراسية دوراً في ترسيخ أحكام نمطية عن قصد أو بغير قصد، ضد دين أو جنس أو جنسية ما، قد تصل حد العنصرية.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر