في الذكرى 110 لميلاده.. “فريد الأطرش” موسيقيّ الزمن الحاضر المستمر
يحتفل العالم اليوم في الذكرى المئة وعشرة لميلاد ملك العود “فريد الأطرش” الذي ترك بصمةً واضحةً في الغناء العربي الحديث، وفي الأوبريت، وضمت مؤلفاته مئات الألحان تأثر بها الكثيرون وما زالت ماثلة في الوجدان بزمنها الحاضر المستمر.
ويرى الكثير من النقاد أنه مع هذا الموسيقي السوري نستطيع الاطمئنان إلى شرقيتنا ونؤمن بوجود الفن العربي الخالص، إذ بنى مؤلفاته على معرفة أكاديمية بقواعد الموسيقى الكلاسيكية مع المحافظة على روح الشرق الصافية.
وما يميز “الأطرش” اكتمال جماليات الموسيقى التي أبدعها، مما أتاح لها القدرة على المنافسة عالمياً، حتى قيل أن أفلامه الغنائية أجمل بكثير من أفلام التينور “لويس ماريانو الفرنسية”، وفيلم “رسالة من امرأة مجهولة” أرقى فنياً من النسخة الأمريكية، وأكثر أدبية وتعبيراً عن رواية النمساوي “ستيفان زفايغ” التي عالجها الفيلم درامياً.
“فريد الأطرش” من مواليد 19 تشرين الأول عام 1910 “القريا” في السويداء، اضطر منذ التاسعة للجوء إلى مصر هرباً من الفرنسيين الذين يريدون اعتقال والده “فهد” لمواقفه الوطنية، وهناك عانى الأمرين للاندماج وللهروب عن أعين من بإمكانهم أن يضطهدوه.
والدته الأميرة “علياء المنذر” حاولت حمايته بتغيير كنيته إلى “كوسا” كي يستطيع الاستمرار في التعلم ضمن المدرسة الفرنسية، وكذلك اضطرت للعمل لإعالة العائلة وحدها، وما لبث “فريد” أن ساهمت في ذلك أيضاً.
نما اهتمام “فريد” بالموسيقى في تلك الفترة من حياته التي عانى فيها من الصعوبات المادية بينما كان يستمع لوالدته تغني وتعزف العود في المنزل، وسُمح له بسبب إصراره الشديد أن يتمرن مع كورال المدرسة.
لم يكن المعلم مسروراً بعجز طالبه عن التعبير عن مشاعره بالرغم من صوته الجميل، فنصحه بأن يقوم بالبكاء ليشعر المستمعون بالألم الذي يرغب بالتعبير عنه من خلال أغنياته. ونجحت هذه النصيحة فعلاً، وبقيت سمةً صبغت صوته طيلة فترة غنائه، ومنحته لقب “المغنّي الحزين”.
كان فريد معجب بشدة بمغنٍ في إحدى مقاهي القاهرة، لكنّه لم يستطع تحمّل شراء كوبٍ من الشاي هناك ليستمع له، لذا كان يقف خارج المتجر مستمر ليستمتع بالموسيقى، مما عرضه للطرد من أحد العاملين في المقهى.
سمحت له والدته بالغناء في المناسبات المدرسية، ما مكّنه من تطوير موهبته حتى شارك في حفلٍ جامعي لتكريم الثورة السورية، لفت أداؤه في هذا الحفل نظر المجتمع الفني، لكنّه أفصح عن هويته الحقيقية كأحد أفراد عائلة الأطرش، مما تسبب بفصله من المدرسة الفرنسية.
تخرّج بعدها من مدرسةٍ أخرى، وسُمح له أن يسجل بمعهد موسيقي. أصبح بعدها تلميذاً لرياض السنباطي الملحّن الشهير. أعجب السنباطي بعمله الدؤوب ومكّنه من الغناء في إذاعاتٍ خاصة مصرية في الثلاثينيات. تمّ تعيين فريد الأطرش كعازفٍ للعود في أوركسترا بعد أن تمّ إغلاق جميع محطات الراديو وأُنشأت محطة واحدة وطنية، ثم أصبح بعدها مغنٍ هناك.
عمل لفترةٍ مع شقيقته أسمهان ولحن لها بعضاً من أغانيها، وكان فيلم “انتصار الشباب” الذي ظهرا فيه معاً من أوائل أفلامه.
غيّر النجاح السريع الذي لاقاه الشاب الوسيم نمط حياته، فأصبح يستمتع بالحياة الليلية في المدينة، العلاقات الغرامية، والمراهنة على سباق الأحصنة. وجد فريد نفسه بعد فترةٍ مديوناً، كما تركته والدته التي لم توافق على تصرفاته.
ساءت تلك الفترة من حياته أكثر بعد وفاة أخته المطربة الشهيرة أسمهان، ووجد الراحة قليلاً في علاقةٍ مع الراقصة “سامية جمال” التي بذل من أجلها كل ما يملكه.
نجح في استدانة المال لينتج فيلماً تشاركه في بطولته عام 1947. وهو فيلم “حبيب العمر” أخرجه هنري بركات. لاقى هذا الفيلم نجاحاً كبيراً وغير متوقع وضع فريد في صف الأشخاص الأثرياء. ثم تبعه فيلم “عفريتة هانم” الذي لعبا بطولته سوياً، ثم انفصل الثنائي غير المتزوج بعد خمسة أفلام بسبب شجارٍ عنيف.
استمر فريد بالعمل مع عدة نجوم آخرين في أفلامٍ ناجحة عديدة والتي حصل في معظمها على دور المغني العاشق والرومانسي الحزين، وكان اسمه فيها باستمرار “وحيد”.
وعلى مدار مسيرةٍ فنيةٍ استمرت ثلاثين عاماً، سجل أكثر من 350 أغنية، نذكر منها: “أول همسة”، “عش أنت”، “زينة زينة”، “سنة وسنتين”، “بساط الريح”، “يابو ضحكة جنان”، “جميل جمال”، و”الربيع”، والموسيقى المميزة “لحن الخلود”، “توتة” و”رقصة جمال”.
والمميز فيما أبدعه قدرته على التلوين الموسيقي، فمن اللون البلدي المصري إلى اللون الكلاسيكي شديد الرقي والتعقيد في أغنية «سهرت طول الليل»، إلى اللون الشامي والموال وإيقاعات الدبكة في أغنيات مثل “بتؤمر ع الراس وع العين” و”لكتب ع وراق الشجر” و “فوق غصنك يا لمونة”.
وأغنيات لحنها لغيره من المطربين مثل و”على الله تعود على الله” لوديع الصافي، “يا دلع دلع” للفنانة صباح و”هزي يا نواعم” للفنان عصام رجي، وفي جميعها يُظهر تفوقاً وانسجاماً مع كل لون. أما أهم الأفلام التي شارك في بطولتها فكانت: “انتصار الشباب” و”لحن الخلود” و”نغم في حياتي”.
أما أفلامه السينمائية التي فاقت الثلاثين فمن أبرزها: “حبيب العمر”، “حكاية العمر كله”، “ودعت حبك”، “رسالة من امرأة مجهولة”، “لحن الخلود”، “بلبل أفندي”، وكان آخر أفلامه “نغم في حياتي”، وقد عُرض بعد وفاته.
نال “الأطرش” العديد من الأوسمة والجوائز الفنية، منها جائزة “أعظم عازف على العود في العالم العربي وتركيا” 1962، وجائزة الفنون والآداب المصرية من الدرجة الأولى، وقلادة النيل المصرية، ووسام الاستحقاق المصري، ووسام الكوكب الأردني برتبة فارس، كما حصل على أربع جنسيات عربية من: مصر وسوريا ولبنان والسودان.
توفي فريد الأطرش في يوم 26 كانون الأول عام 1974 في بيروت إثر العودة من رحلةٍ علاجية إلى لندن، عن عمرٍ يناهز الستين عاماً، من دون أن يحقق إحدى أهم أمنياته وهي تلحين أغنية لأم كلثوم.
تلفزيون الخبر