السوريون الأرمن.. ما بين الأثر والهجرة
وصل آلاف الأرمن إلى سوريا منذ مئات السنين بعد التهجير القسري الذي تسببت به الإبادة الأرمنية على أيدي العثمانيين الأتراك آنذاك، إلا أن الحرب السورية أدت إلى نوع من الهجرة العكسية للأرمن خلال سنوات الحرب الماضية.
وحضر الأرمن إلى سوريا في عهد الامبراطور ديكران الكبير، قبل الميلاد، وهو الامبراطور الذي وصل إلى قلعة حلب وآثاره مازالت موجودة في القلعة حتى الآن.
في حين أن أوائل الأرمن المهجرين وصلوا إلى حلب ومن ثم انتشروا في محافظات ومدن سوريا مختلفة كدير الزور والحسكة والقامشلي وحمص ودمشق، بحسب المراجع التاريخية.
وتجمع الأرمن في مناطق سكنية معروفة في حلب كمنطقة الفيلات ومنطقة الميدان التي طالتها العديد من القذائف الصاروخية خلال الحرب.
و وبشكل أو بآخر، أدت الحرب السورية إلى هجرة آلاف العائلات الأرمنية من سوريا، بعضهم اتجه إلى الوطن الأم أرمينيا والبعض الآخر تفرق في مختلف أنحاء دول العالم.
وبحسب إحصائيات القنصلية الأرمنية في حلب فإن عدد الأرمن قبل الحرب كان قرابة 80 ألف أرمني حاصل على الجنسية السورية، في حين باتت أعداد الأرمن بعد الحرب نحو 25 ألف أرمني حسب ما أفاد القنصل العام لجمهورية أرمينيا في حلب آرمين سركيسيان متحدثاً لتلفزيون الخبر.
ويضيف القنصل الأرمني: “أن أرمن حلب نقلوا تجربة الأكل الشرقي إلى أرمينيا، وبات السياح الذين يزورون أرمينيا يقصدون الأماكن التي تتوافر فيها المأكولات الشرقية التي يحضّرها أرمن حلب”.
وشكل وجود الأرمن في حلب نوعاً من تمازج الثقافات، فعملوا على تأسيس مدارس خاصة بهم تدرّس فيها اللغة الأرمنية وتستقبل طلاباً سوريين من غير الأرمن أيضاً، مما ساعد على انتشار اللغة الأرمنية بين السوريين الذين ليس لهم أي جذور أرمنية ولو بأعداد قليلة منهم.
كما برز الأرمن في الجمعيات الثقافية والمسارح التي نشطت أعمالها ولم تتوقف خلال الحرب، والتي أيضاً كانت تستقطب شرائح مختلفة من المجتمع السوري.
تاريخياً للأرمن محطات عدة وأثر ملموس في حلب، وحول أبرز البصمات التي تركها الأرمن في حلب تقول الدكتورة هوري عزازيان المؤرخة والباحثة في شؤون الجاليات الأرمنية لتلفزيون الخبر: “أن حلب عندما بدأت بالازدهار التجاري كان أغلب تجار حلب يتعاملون مع تجار أرمن”.
وأضافت “الذين كان لهم دور كبير آنذاك في الحياة التجارية لمدينة حلب”.
وتابعت: “أن للنساء الأرمنيات دور ملموس أيضاً، فقد أنشأن 102 معملاً للتطريز في حلب وضواحيها نهاية القرن التاسع عشر”.
في حين أن الأرمن هم أول من أدخلوا مهنة التصوير الفوتوغرافي إلى حلب، إضافة إلى مهن النجارة والمفروشات والتطريز حسب د.عزازيان.
أما في العصر الحديث فقد أتقن الأرمن مهناً وحرفاً بات اسمهم مقترن باسمها، كالمهن المتعلقة بتصليح السيارات وقطع التبديل الخاصة بها، إلا أن غياب الأرمن نتيجة الهجرة أثر أيضاً على بعض المهن التي أتقنوها واشتهروا بها.
كما يقول ساهاك نالبنديان، الذي يعمل مع والده في مهنة قطع التبديل للسيارات، متحدثاً لتلفزيون الخبر: “ورثنا المهنة أبّاً عن جد، والعديد من الأرمن يعملون بهذه المهن ويتمركز عملهم في مناطق بستان الباشا والميدان في حلب”.
مضيفاً: “لقد بقينا 4 حرفيين نعمل في هذه المهنة فيما كنا سابقاً حوالي 25 – 35 حرفياً يعملون بالمهن المتعلقة بتصليح السيارات”.
وتبدو سجلات المدارس الأرمنية مؤشراً واضحاً على أعداد المهاجرين من سوريا، إذ يقول انترانيك بوغوص مدير ثانوية دار التربية الخاصة وهي من بين المدارس الأرمنية في حلب، لتلفزيون الخبر: ” كان لدينا 711 طالباً قبل الأحداث فيما انخفض عددهم الآن إلى حدود 450 طالبا فقط”.
ويرى بوغوص أن عودة الأرمن غير ممكنة حالياً بحسب رأيه لاسيما وأن العائلات الذين لديهم أطفال صغار قد أسسوا أشغالاً لهم خارج سوريا واندمج أطفالهم في المدرسة والمجتمع الجديد سواء في أرمينيا أو في دول أخرى.
وخلال الحرب السورية قدم الأرمن عدداً من الشهداء المدنيين والعسكريين، في حين حظيت عائلة الشهيد كريكور أشناقليان على مكرمة من السيد الرئيس بشار الأسد، تخليداً لذكرى ابنهم الشهيد.
وذلك بتسمية إحدى المدارس الحكومية باسم الشهيد كريكور اشناقليان ليكون بذلك أول شهيد أرمني سوري ينسب اسمه لمدرسة حكومية.
وكان قد حصل الأرمن في سوريا على الجنسية السورية متمتعين بحقوقهم كاملة كمواطنين سوريين لهم الأريحية في ممارسة طقوسهم الدينية والوطنية، في حين لم تعترف سوريا رسمياً بالإبادة الأرمنية حتى مطلع العام الجاري عندما أقر مجلس الشعب السوري بالإبادة الأرمنية في شباط 2020.
نغم قدسية – تلفزيون الخبر – حلب