في حلب .. النول والسجاد اليدوي حكاية عمر من الصبر
“عمر الرواس” من الحرفيين القلائل في حلب الذين مازالوا يجلسون أمام النول لحياكة السجاد في عصر التكنولوجيا والمعلومات.
اعتاد عمر الجلوس إلى جانب النول الخشبي القديم متصدراً مشغله المتواضع لينسج تحفاً من التراث، ولم يتوقف عمر عن العمل بمهنته طوال الحرب على الرغم من توقف مردودها، لا بل كان يشارك في معارض متعددة بهدف التأكيد على أن مهنته لا تموت، حسب ما يروي لتلفزيون الخبر.
وبات “الرواس” الوحيد في حلب ممن يعملون بالسجاد اليدوي خلال الحرب رغم تأثر هذه المهنة أيضاً كغيرها من المهن بفعل الحرب.
يتحدث عمر لتلفزيون الخبر عن بداياته مع هذه المهنة منذ الصغر إذ يقول: “وعيت في صغري ورأيت والدي يعمل بهذه المهنة، جربتها، أحببتها، فرافقتني عمراً”.
يستعيد عمر ذكريات طفولته مع مهنة السجاد إذ يقول: “كانت الورشة مقابل المنزل، وكنا صغاراً نخرج من المنزل إلى الورشة، وكنت أرى إخوتي كيف يعملون فأحببت أن أعمل مثلهم”.
“مهنتنا تحتاج إلى الصبر والفن”، يقول عمر لتلفزيون الخبر: “وهي مهنة غريبة أيضاً، لكنني طالما أحببتها فلا صعوبات في العمل، وأن يحب الشخص عمله هذا يعد مقياس بالنسبة لمهنتنا”.
ويتابع “منذ البداية نلاحظ على أطفالنا إما يرغبون بالعمل ويستمرون بهذه المهنة أو يتجهون لمهن أخرى، والحمدلله أبنائي وأبناء إخوتي وأخواتي جميعنا نعمل معاً في صناعة السجاد اليدوي”.
يبدو أن توارث المهنة أمر لا بد منه بالنسبة لعمر، والذي تحول ذلك إلى مصدر رزق للعائلة جميعها، لكن لتلك المهنة مراحل لتعلمها بحسب ما يقول عمر.
ويضيف ” هناك مرحلة فرز الألوان وتلك المهمة توكل إلى الأطفال وهناك أيضاً مرحلة التعقيد وفك العقد والتي تحتاج إلى صبر كبير لتنفيذها”.
قبل الحرب كان العمل الأكبر بالنسبة لعمر في القطاع السياحي، إذ كانوا السياح يطلبون قطعاً من القماش أو السجاد قبل مغادرتهم حلب، وبناء عليه كان يصنع قطعاً صغيرة من السجاد اليدوي كتذكار من حلب وهي هدية غالية الثمن لكونها مصنعة يدوياً.
إلا أن بعد الحرب باتت المهنة تواجه تحديات من نوع آخر كصعوباتٍ في التسويق نظراً لعدم وجود السيّاح، فضلاً عن ارتفاع تكلفة المواد الأولية اللازمة للتصنيع، بحسب ما يقول الرواس لتلفزيون الخبر.
ومن بين الأعمال التي تتعلق بالسجاد يقوم عمر بإصلاح السجاد المتضرر سواء من العت أو بفعل الحرب جراء تضرر المنازل، فيما يعمل على ترتية السجاد الممزق أو الذي تآكل بفعل الزمن، ليعود به تحفة فنية لا يمكن للسجاد الحديث أن يضاهي دقة تفاصيلها.
وعن هدفه من المشاركة بالمعارض خلال الحرب يقول عمر: ” كنت أشعر بانطباعات الناس حين يستغربون من وجود النول الخشبي التقليدي، وكانوا يأتون إلي ليتصوروا إلى جانب النول، فيما كان الهدف الأساسي بالنسبة لي هو الحفاظ على هذه المهنة التراثية ولو لم يكن هناك استفادة مادية حقيقية”، مضيفاً: “كي لا تندثر هذه المهنة، بحاجة لأناس يحبونها”.
وبعد الحرب عاد بعض حرفيي السجاد اليدوي للعمل وعددهم يكاد لا يتجاوز الأربعة حرفيين في حلب.
في حين يتعاون عمر الرواس مع بعض المصانع المتخصصة بصناعة السجاد في المدينة الصناعية، عند الطلب، بهدف وصل السجاد الخاص بالجوامع مع بعضه البعض، حسب ما يروي للخبر.
ويعد من يمتلك سجاداً يدوياً في منزله كمن يملك ثروة باهظة الثمن، لا سيما وأن النول الخشبي يواجه صعوبات البقاء أمام الآلات الحديثة، فهل يصمد النول التقليدي أمام المكنات الحديثة؟.
نغم قدسية _ تلفزيون الخبر_ حلب