هل تقصدت الإمارات أن تلغي قانون “مقاطعة إسرائيل” بتاريخ استشهاد ناجي العلي ؟
عندما سُئل الشهيد ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: “عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته”.
في التاسع والعشرين من آب 1987 استشهد رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي بعد غيبوبة دخل فيها إثر عملية الاغتيال التي تعرض لها في لندن، ناجي العلي الذي تحدث عن شخصيته “حنظلة” أنه “ولد مع حرب الخامس من حزيران 1967، مؤكداً أن حنظلة بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية”.
وفي التاسع والعشرين من آب من عام 2020 حفلت مجالس عربية تزامناً مع ذكرى استشهاد العلي بإلغاء مقاطعتها للعدو، لتؤكد ما واجهه رسام المقاومة بريشته وكأنما تقول لحنظلة الذي طالت مواربته لها “سنتابع تطبيعنا ونرسخه في ذكرى استشهاد مبدعك المقاوم”.
حيث ميزت لوحات ناجي العلي سمة الرجال ببطون محشوة وعقول فارغة وأيادٍ ممتدة للعدو، تلك الأيادي ذاتها عادت لتمتد اليوم من خلال رئيس الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان وما أعلنه عن مرسوم بقانون يلغي مقاطعة “إسرائيل” والعقوبات المترتبة عليه، وذلك في أعقاب الإعلان عن معاهدة “السلام” بين الجانبين.
وبحسب وسائل إعلام تحدثت عن “المرسوم”، “يمكن في أعقاب إلغاء قانون مقاطعة “إسرائيل” للأفراد والشركات بالإمارات عقد اتفاقيات مع هيئات أو أفراد مقيمين “بإسرائيل” أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما كانوا، وذلك على الصعيد التجاري أو العمليات المالية أو أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته”.
كما “سيتم السماح بدخول أو تبادل أو حيازة البضائع والسلع والمنتجات “الإسرائيلية” بكافة أنواعها في الدولة، والاتجار بها، يأتي ذلك في متابعة لما أعلنه الطرفان يوم 13 من الشهر الجاري عن إقامة “علاقات دبلوماسية” كاملة بينهما.
وفي استجماع “المصادفات” وبالعودة إلى ذات التاريخ (29 آب من عام 1967)، يقول التاريخ العربي: إن “قمة عربية شهيرة انطلقت في العاصمة السودانية الخرطوم، أطلق العرب فيها “لاءاتهم الثلاث”، رداً على حرب حزيران”.
وبالعودة إلى الوقائع يجد المتابع أن هذه اللاءات لم يبقَ منها بعد 53 عاماً سوى الشعارات الرنانة “لا صلح ولاتفاوض ولااعتراف ب”اسرائيل”، لتذهب الدول التي أطلقتها مباشرة إلى التطبيع توالياً.
حيث انعقدت تلك القمة في العاصمة السودانية الخرطوم ما بين 29 آب و1 أيلول 1967 بُعيد نكسة حزيران 1967، والتي احتلت خلالها”إسرائيل” الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء.
وحضرت القمة كافة الدول العربية، باستثناء سوريا التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد المحتل، وشهدت القمة مصالحة بين أكبر زعيمين عربيين حينها، هما الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي الملك فيصل.
وفي أول تنصل من “اللاءات”، شهد عام 1978 عقد أول اتفاق “سلام” بين مصر و”اسرائيل”، فيما عرف باتفاق “كامب ديفيد” وتبعتها الأردن عام 1994، في اتفاقية وادي عربة، وكان آخرها الاتفاق بين الكيان ودولة الإمارات عام 2020، مع تكهنات بلحاق دول عربية أخرى بركب التطبيع عما قريب.
لتسقط “اللاءات” في 29 آب من الشعارات المخدرة التي احتفت فيها الشعوب العربية يوماً، لتظهرعلى حقيقتها “بالصلح والاعتراف والتفاوض السري”، مع عدو لم يُعد شبراً واحدا مما احتله من الأراضي العربية بموجب هذه الاتفاقيات المنفردة.
أما عن حنظلة وناجي، وعن إعطائه “مؤخرته” لتلك الشعوب فهو مازال في العاشرة من عمره وحيدا، وما زال يرمز للفلسطيني المعذب والقوي، ورغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث لا يخشى أحدا وغير مكترث، أدار ظهره للعالم ويداه خلف ظهره.
فعن “حنظلة” يقول ناجي أيضاً: “ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء”.
وأما عن سبب تكتيف يديه يقول العلي:” كتفته بعد حرب تشرين الأول 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع”.
كما لم تقتصر رسومات العلي على حنظلة حيث تميز بالنقد اللاذع، والسخرية السوداء، عبر أربعين ألف رسم كاريكاتوري كانت تأخذ شكلاً تحريضياً حيناً، وشكلاً ثورياً حيناً آخر، ليشكل ناجي العلي المولود في عام 1937 في قرية الشجرة بمنطقة الجليل في فلسطين المحتلة حالة ثورية فريدة.
وكان الكاتب والصحفي غسان كنفاني شاهد رسومات العلي على جدران مخيم عين الحلوة وذلك خلال زيارة للمخيم ونشر أحدها في العدد 88 من مجلة “الحرية” في 25 أيلول 1961 حيث كان هذا الامر بداية العلي للعمل في الصحف.
كما انتخب العلي رئيساً لرابطة الكاريكاتير العربي عام 1979، ثم عاد إلى الكويت للعمل في جريدة القبس، وظل بها مدة عامين قبل أن يتم ترحيله وينتقل إلى بريطانيا عام 1985 ويعمل في جريدة “القبس” الدولية.
واعتقلت “اسرائيل” العلي وهو صبي بسبب نشاطه المعادي للاحتلال فكرس معظم وقته للرسم على جدران الزنزانة كما قام الجيش اللبناني باعتقاله أكثر من مرة وكان يقوم بالفعل ذاته.
وكان نقد العلي الشديد والمباشر وعدم مهادنته السبب وراء إطلاق النار عليه في لندن في تموز 1987، وكان قبلها تلقى عدداً من التهديدات بالقتل بسبب رسومه الكاريكاتيرية، التي سخر فيها من السياسات والسياسيين في الشرق الأوسط.
بعد غيبوبة لأكثر من شهر توفي ناجي العلي في 29 آب 1987، بعد أن تلقى رصاصة في رقبته من الخلف في وضح النهار بينما كان يترجل من سيارته إلى مكتب صحيفة “القبس” الكويتية في نايتسبريدج، حيث كان يعمل في ذلك الوقت.
استشهد ناجي العلي بعد أن صوبت نحوه رصاصة بكاتم صوت، ذلك الذي لطالما أدانه برسوماته، ليدون هذا الاغتيال رسالة بأن للكلمة والخط المرسوم والريشة وقع وتأثير أقوى من طلقات الرصاص.
روان السيد – تلفزيون الخبر