هذا جسدك وذاك قلبك .. هاتان يداك وعيناك” .. كيف أحمي طفلي من التحرش الجنسي ؟
لايحتاج الباحث في معاني الخشونة والخدش والإفساد لبذل الكثير من الجهد بين أبواب المعاجم في محاولة للوصول لمفردة واحدة تختصر ماسبق، إذ سرعان ما يبرز مصطلح “التحرش” ليعبّر عن كل ذلك بل وأكثر.
فلفظ التحرش، الذي يحمل معاني إفساد الشيء وخدشه وإلحاق الأذى به، لم يقتصر في السنوات الأخيرة على صفحات المراجع والبحوث بل أصبح حديثاً متداولاً، وإن كان “بالوشوشة”، إذا ما تبعته صفة “الجنسي” وهي الأكثر التصاقاً به.
ليصبح التحرش الجنسي سلوكاً مكتوماً متحفظاً على الحديث به وعنه، مايؤدي بالتالي لانعدام الثقافة وأساليب التربية المرتبطة به، من محاولات لتمكين الأشخاص والأطفال على وجه التحديد لتفادي محاولات التحرش، وليبقى صوت عبارة “هذا جسدي” خفيضاً لا تُعليه إلا قلة نادرة في المجتمعات.
حيث تعتبر كثير من البيئات أن الحديث عن التحرش الجنسي ضربٌ من تجاوز الحدود والخطوط الحمراء، وتعتبر أيضاً أن طرح مواضيع متعلقة به مع أبنائها أمراً من غير الممكن القيام به، وذلك في الوقت الذي تكثر فيه حالات التحرش التي لم تقتصر على الكبار، بل طال أذاها الأطفال مشكلاً الخطر الأكبر.
تقول سيدة (فضلت عدم الكشف عن اسمها) لتلفزيون الخبر: “كبرنا في بيئة محافظة تعتبر الحديث عن تفاصيل كهذه مع الفتاة، مثلاً، مرتبط بموعد زواجها”، مردفة “حتى في هذا الموعد يكون الحديث متحفظاً”، متابعة “جرت العادة على أن هذه الأحاديث تعتبر تجاوز للأخلاق وخط أحمر”.
أما الصبيان، تكمل السيدة الأربعينية، “فلا نحتاج لفتح أحاديث كهذه معهم الشارع والحياة كفيلان بذلك”، كيف سأحدثهم عن أعضائهم الخاصة وما يجب أن يقوموا به وما لايجب أشعر بالخجل والعيب”، بحسب تعبيرها.
من جهة أخرى، تشعر سيدة ثلاثينية بالارتباك إزاء هذا الموضوع، معبرة بالقول: “ماذا أقول وكيف أوجه طفلَي وهم في مرحلة الطفولة، أخاف عليهم كثيراً من المحيط والملعب والمدرسة، من غير الممكن بقائي معهم، وأنا أعرف تماماً خطورة الأمر”.
عن هذا، تتحدث الناشطة في قضايا الطفولة وأساليب التربية مي أبو غزالة لتلفزيون الخبر، شارحة ومبندة أساليب التعامل وتوعية الأطفال، ومجيبة عن سؤال “كيف أحمي طفلي من التحرش والاغتصاب”؟.
تقول أبو غزالة: “التحرش الجنسي بالطفل هو كل احتكاك مع طفل لإجباره على رؤية منظر غير ملائم له أو ملامسة أعضاءه التناسلية أو الاغتصاب الكامل”، مشيرة إلى أن “التحرش ممكن أن يصدر عن أحد أقارب الطفل من مضطربي السلوك أو من آخرين يافعين أو كبار، وهناك أيضاً تحرش لفظي من خلال لغة مسيئة أو بالتلميحات أو بالغصب أو الترغيب”.
وتتابع “أهم معلومة لتوعية الطفل في أي قضية، التحرش وغيره، هي بناء صداقة بين الطفل والأهل وتعزيز الثقة التامة، والابتعاد عن التخويف والتهميش، والأهم في ذلك فسح الحوار والتعبير عن المشاعر منذ الطفولة”، منوهة إلى “ضرورة احترام الطفل وعدم الكذب عليه حتى في أبسط المواقف لتعزيز بناء الثقة”.
كما أوضحت أبو غزالة أن “هناك تحفظ على موضوع التربية الجنسية في مجتمعنا لذا علينا في البدء تمكين الطفل من مهارات حماية النفس التي تبدأ منذ مراحله الأولى من خلال احترام جسمه وأعضائه وخصوصيته في الحمام وخلال تبديل ملابسه”.
كما يجب على الأهل، بحسب الناشطة التربوية، “الانتباه إلى التصرفات التي يشاهدها من خلال احترام خصوصية الجسد، مثلاً لا نبدل ملابسنا أمامه، لا نستحم أمامه، حيث نبدأ مع الطفل في حمايته من خلال تعليمه تفاصيل متعلقة باللبس بغرفة منفصلة وخلال الحمام علينا تدريب الطفل كيف يمكنه الاستحمام لوحده”، والأهم في ذلك الحرص على تعليم الطفل أنه لايجب لأحد غريب لمس أي عضو في جسمه”.
وأكدت أنه “من الضرورة الحديث مع الطفل بطريقة عدم التذنيب والابتعاد عن كلمات من مثل عيب وحرام، بالإضافة إلى شرح معناهما بطريقة مقربة، لردم الفجوة وتوضيح المصطلحات التي من الممكن أن يسمعها”.
وأوضحت أن “موضوع التوعية الجنسية والكلام عنه شيء مهم، ففي كل مرحلة يجب إعطاؤه المعلومة المناسبة لها، حسب مرحلته العمرية، وبتتابع مراحله تكون الصورة المتعلقة بالتحرش الجنسي تشكلت لديه بشكل سوي ومتوازن، ما يساعده على خوض المواقف التي من الممكن أن يتعرض لها”.
وفي الحديث عن خطورة التحرش الأكبر المتمثلة بالاغتصاب، تشير أبو غزالة إلى أن “اغتصاب الأطفال هو أعلى درجات التحرش بهم، مؤكدة أن هناك علامات تبدو على الطفل، غير الموجه في منزله، إذا ما تعرض للاغتصاب”.
وأوضحت أن “من تلك الإشارات الخوف الدائم والانطواء والتبول اللا إرادي والقلق والعزلة، إضافة إلى تراجعه الملحوظ بالدراسة”، لافتة إلى أن أهم علامات الاغتصاب تلك التي تبدو على جسده في بعض الأحيان”، ومؤكدة أنه من الضروري مراقبة السلوكيات والتغييرات التي تطرأ على الطفل والتقرب منه أكثر وتعزيز الثقة كي يتحدث بما يجري معه”.
ولفتت إلى أن “كثير من الأطفال لا يتكلمون في الوقت ذاته لا يستطيعون مواجهة المواقف، وهذا سببه انعدام الحوار مع الأهل، بسبب تخوف الطفل من ردة فعل أبويه”.
من جهة أخرى، أكدت ابو غزالة أن “أكثر الأطفال المعرضين للتحرش بكل أنواعه هم أطفال الشوارع، وأطفال الإعاقات والأطفال الذين يبتعد أهلهم عن هذه الاحاديث بسبب التعصب”، لافتة إلى أن “المعتدي على طفل ضحية لشيء ما حصل معه بالطفولة، لذا قام بنفس الفعل أو ما يشابهه لذلك من الضروري متابعة المعتدي من خلال العودة إلى قصته وسلوكياته”.
وشددت الناشطة التربوية على ضرورة “نشر التوعية الجنسية بين الأطفال في المنازل والمدارس والنوادي التي يرتادوها، مؤكدة أن تربية الطفل لاتعني الاهتمام بتعليمه ونظافته فقط المهم امتلاكه لآليات حماية نفسه دون خجل نفسياً وجسدياً وعقلياً.
يذكر أنه كثرت في الآونة الأخيرة حوادث اغتصاب الأطفال والاعتداء عليهم والتحرش بهم، وتعد القرى النائية أكثر أماكن تركز هذه الحالات، إضافة إلى تركزها بين المشردين من الأطفال الذين يجوبون الشوارع وحيدين جائعين لتقتنصهم أعين وغرائز المستغلين ومضطربي السلوك.
روان السيد – تلفزيون الخبر