“ببساطة 2”.. “حماقات ومصادفات وتفاهات” صارخة
رغم بعض اللوحات الجميلة التي شهدها مسلسل “ببساطة” في جزئه الثاني تأليف مجموعة كتاب، وإخراج “تامر إسحق”، إلا أن البقية لا يقبلها العقل لا بميزان ولا بقبان، لأفكارها الساذجة، و”الأوفرة” في التمثيل مع كمية الصُّراخ المجاني، وتعارض الصورة مع المضمون.
قد تُبرَّر تفاوت سوية النصوص، بسبب تعدد الكُتّاب واختلاف براعتهم في التقاط الكوميدي من الواقع مهما كان مُرَّاً، لكن ما لا يمكن تقبُّله هو عدم القدرة على التمييز بين الكوميدي والمُضحِك والساخر والتهريج… فليس كل ما هو مُضحك أو ساخر كوميدي، كما أن التهريج ليس بالضرورة أن يكون كوميدياً، بل قد ينقلب ضدّه.
وإذا أقرَّينا بمقولة “فريديريك فيشر” بأنه “من دون الحماقات والمصادفات والتفاهات، لا يمكن للكوميدي أن ينجح”، فإننا نتحدث هنا عن مضامين النص، وصفات بعض الشخصيات، وسيرورة الحبكة، وليس الفكرة العامة للوحة، أو أسلوبية تظهيرها للجمهور.
يضاف إلى ذلك، الفهم الخاطئ للأداء الكوميدي على أنه مجرد تضخيم الأفعال، والمبالغة في ردود الفعل، وتكريس الصَّخب و”الجَعِيْر” غير المُبَرَّر، إذ ليس من الضروري أن تُبالِغ حتى تُبَلِّغَ المشاهدين برسالتك الكوميدية الصارخة.
والموضوع بلغَ حدَّاً لا يُطاق، لدرجة أنك مُضطر لتخفيض صوت التلفزيون أثناء متابعة بعض اللوحات، لأن قاسمها المشترك الأكبر هو الصُّراخ المجاني، والعروق التي “تنفص” من رقبة الممثل، فتتساءل بينك وبين ذاتك: هل معظم تلك الشخصيات عُصَابيّة إلى هذا الحدّ، بينما بعضها الآخر يعاني من السادية أو المازوخية؟
طبعاً هذا لا يعني عدم أهمية الاتكاء على علم النفس في صياغة الأفكار الكوميدية، لكن عندما لا تكون الشخصية مريضة نفسياً ويتم إظهارها في الدراما على أنها كذلك، فقط من أجل الإضحاك، فتكون الخسارة مُضاعفة، مرَّةً عبر تشويه الشخصية الدرامية، والثانية من خلال الفشل في تصويرها كوميدياً.
والشيء الآخر الذي يؤخذ على هذا المسلسل، هو الفهم الخاطئ لجماليات الصورة، من دون الاهتمام بمضمونها، فالمشهدية الجميلة ليست فقط ألوان برَّاقة، وديكورات فخمة، وأزياء آخر موضة،… وإنما ضبط إيقاع جميع عناصر المشهد من ممثلين وإضاءة وديكور وأزياء وماكياج وميزانسين وزاوية الكاميرا… فكل منها مشبع بمعناه، وعليه أن يتواءم مع المعنى العام للوحة.
لكن على ما يبدو أن المخرج “تامر إسحق” ما زال يتعاطى مع “الدراما النظيفة” بمعناها السلبي، البعيد عن الواقعية، فهو ما زال يعيش فنتازيا “الحرملك” في “ببساطة”، متغاضياً عن أن للكوميديا وظيفة اجتماعية متمثلة في إظهار العيوب والرياء والقبح، وليس التستر عليها بقشور صورة نظيفة.
ما حصل في الجزء الثاني من “ببساطة” هو الاسترخاء للتقليد، بدل التفكير المستمر في المغايرة، مثله مثل الأجزاء الأخيرة من “بقعة ضوء”، والدليل على ذلك البقاء على هامش المجتمع من دون التوغل في صميم مشاكله، والاتكاء على أفكار درامية عامة بلا مراعاة لتغليفها بأي خصوصية أو تميُّز.
يذكر أن “ببساطة” شارك فيه مجموعة من الكتاب هم “مازن طه، نور شيشكلي، رنا حريري، معن سقباني”… وأخرج الجزء الأول منه “سيف الدين سبيعي”، وإنتاجياً يحمل شعار شركة “روي” للإنتاج الفني.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر