جيش سوريا الأبيض .. معاناة وظروف عمل قاسية ومناشدات
صدمت جائحة فيروس “كورونا” العالم بأسره، وبدأت حروب جديدة بعيدة عن معناها القتالي، وتشكلت جيوش حقيقية من العاملين في المجال الصحي لدرء الخطر عن بلدانها، أطلق عليها الجيوش البيضاء.
وفي سوريا، وقف جيش سوريا الأبيض، أسوة بجيش سوريا المقدس، سداً منيعاً لحماية سوريا، غير آبهين للأخطار ، وفي ظل ظروف أقل من مقبولة، في ظل الحصار المفروض على سوريا .
وتواصل، مؤخراً، عدد من العاملين في المجال الطبي في سوريا، ومن مختلف المحافظات السورية، مع تلفزيون الخبر، مناشدين نقل معاناتهم، ومشاكلهم، إلى “سامعين الصوت”.
وتطابقت معظم الاتصالات، حول شكوى بدأت مع القرار الصادر مطلع شهر نيسان الماضي، عن مجلس الوزراء، والقاضي بتوزيع مكافأة مالية شهرية لجميع العاملين في المجال الطبي، على أن تقسم المكافأة على فئتين، الأولى 50 ألف ليرة للأطباء، و الثانية 30 ألف ليرة للممرضين.
وانقضى شهر نيسان، وبدأ الأطباء والممرضين، بحسب المتصلين، بالسؤال عن المكافأة التي لم تصرف لأي منهم، لاسيما وأنها بحسب الأطباء “ظهرت مشاكل عديدة منذ إعلانها”.
حيث اضطر المشرفون على الأطباء في بعض المستشفيات إلى تقليص أعداد الأسماء المرفوعة وهم فقط من حصلوا على مناوبات في شهر نيسان، بعد ورود رد بأن الأسماء كثيرة ويجب اختصارها للنصف أو الربع”، كما حصل في مستشفى الأسد الجامعي والمجتهد وغيرها”.
ونقل بعض الأطباء أن “أسماءهم لم ترشح بالرغم من عملهم في مراكز الحجر الصحي، والتي يوضع فيها الأشخاص المشتبه بإصابتهم بالفيروس، بحجة أن المركز لم تسجل فيه أي حالة إصابة”.
وذكر طبيب آخر في مستشفى حماة الوطني أن “الأسماء المرشحة شملت 50 اسم من أصل1600 موظف، بحسب مصادره، دون معرفة تفاصيل الأسماء علماً أن المشتشفى هو المشفى المركزي الوحيد في المنطقة الوسطى ويغطي عدة محافظات بثلث الكادر”.
وكانت المكافأة وخلاف الوزارات التي يتبع لها الأطباء، آخر ما أثار غضب الأطباء، حيث بينوا أنه “على مدار الشهر الماضي، لم يتم تأمين مستلزمات الحماية الصحية بشكل كامل، كالكمامات والقفازات والكحول الطبي والمعقمات”.
وقال أحد الأطباء، إنه: “مع بداية الشهر الماضي تم توزيع كمامة واحدة نوع N95 لكل طبيب يستخدمها خلال كامل مناوباته طيلة الشهر، على أن يغسلها ويستخدمها في كل مرة، مع العلم أن عمر الكمامة الذي يحمي من الفيروس هو 6 ساعات فقط”.
ولفت الطبيب إلى أنه “تم طلب من الأطباء الاحتفاظ بالكمامة، والتي حتماً تتعرض للتلف، غالباً لاسترجاعها بعد الانتهاء من الأزمة”.
وتشمل توصيات منظمة الصحة العالمية على “استبدال القناع (الكمامة) بآخر جديد بمجرد تعرضه للبلل، ولا تعيد استعمال الأقنعة المعدة لاستعمالها لمرة واحدة فقط”.
ولم تكن الكمامات وحدها من دخلت في مسلسل الغسيل وإعادة الاستخدام، بل كان حالها كحال ملابس الأطباء، التي يرتدونها لمرة واحدة أثناء فحص المريض، واشترطت بعض المستشفيات “أن يغسل الرداء، (وهو قابل للتشقق والتلف بسهولة)، ويعاد استخدامه من قبل طبيب آخر، كما شمل هذا الإجراء النظارات الطبية، على أن تعقم وتستخدم من جديد من قبل طبيب آخر”.
ولفت الأطباء إلى أنهم “اضطروا من أجل سلامتهم الشخصية، إلى شراء كمامات وقفازات كافية للمناوبة، من دخلهم الخاص، خوفاً من تفشي المرض بين الأطباء نتيجة العدوى من مرضاهم، أو نتيجة الاحتكاك الدائم بين الأطباء في المستشفيات والمراكز الصحية”.
وعانى الأطباء المقيمين بداية فرض حظر التجول، لاسيما بين الريف والمدينة، من عدم تأمين مواصلات خاصة لنقلهم، وبينت إحدى الطبيبات أنها “أصبحت تضطر للذهاب إلى عملها في دمشق، في مستشفى ابن النفيس والعودة إلى منزلها بريف دمشق باستخدام سيارات الأجرة، والتي تدفع لها يومياً عدة ألوف تنهي راتبها الشهري بأقل من أسبوع”.
وذكرت أن “الطبيب المقيم يعمل بعقد مؤقت، لذا لا يحق له استخدام المبيت الخاص في المستشفى، لافتة إلى أن “هذه الحال سابقة لفيروس كورونا، لكن مع توقف وسائط النقل الجماعية، وقعنا في مشكلة حقيقة”.
وتابعت “إما غلاء سيارات الأجرة، أو غياب يحسب من إجازات كل طبيب، وهو أمر غير محق نناشد بمراعاته على أقل تقدير خلال الوضع الاستثنائي المارين فيه، في حال عدم وجود إمكانية لحل المشكلة بشكل دائم”.
ولم يكن للممرضات حظ أفضل من الأطباء، حيث بينت مجموعة منهن لتلفزيون الخبر، أنهن يعانين من “النقص الحاد في الكمامات، لدرجة أن عددها المخصص لليوم الواحد، يكون أحياناً أقل من عدد الممرضات دون مراعاة لوضع المرضى أو سلامة الممرضات والممرضين”.
وذكرت ممرضة، من مشفى “الباسل لجراحة القلب”، أن “حال توزيع الكمامات يتشابه مع القفازات أيضاً، التي شهدت شحاً في أعدادها، كما اضطررن للتعامل مع المعقمات المخلوطة بالماء بغرض زيادة كمياتها، أو عدم وجود صابون للأيدي المخصص لهن في غرف العناية المشددة”.
وحول المكافأة المقرر منحها، أكدت الممرضات أنهن “لم يحصلن على أي مبلغ، حتى إن هناك أسماء لم تشملها المكافأة بحجة أن هناك أقسام للعمل ليسو من ضمن المشمولين فيها، مثلاً تشمل المكافأة قسم الإسعاف بينما لا تشمل العناية المشددة، وسط استغراب من الأطباء والممرضات حول هذه الجزئية”.
وبعد قرار تخفيض عدد العاملين بنسبة 40%، خلال الجائحة، بينت الممرضات أنه “تم تقليص عدد الممرضات بتلك النسبة بشكل صحيح، إلا أن الممرضات المناوبات ليلاً، يحسب أي غياب لهن من ضمن الإجازات المخصصة لهن، بينما العاملات في التوقيت الصباحي، يسجل غياب مبرر، أو لا يخصم من رواتبهن بسبب تخفيض العدد”.
ولفتت إحدى الممرضات إلى أن “عدد ساعات المناوبة متساوٍ للجميع، فكيف يتم التعامل مع الإجازات والخصم على أساس توقيت العمل؟ وهل من المعقول أن تصل المبالغ المدفوعة من أجل النقل 20 ألف ليرة، مقابل راتب شهري لا يتجاوز 50 ألف ليرة؟”.
وأجبرت بعض الممرضات على الغياب، بعد تطبيق قرار حظر التجول بين الريف والمدينة، وتوقف وسائط النقل العامة، ومع ذلك، حاولت الممرضات، كما مختلف العاملين في سوريا من إيجاد حلول بديلة من أجل العمل حتى لا يخسر المواطنون مصادر رزقهم.
منها “الاتفاق مع أصحاب السيارات على طريقة “تكسي سيرفيس”، لاسيما وأن باصات المبيت المخصصة للمستشفيات لم تقل موظفيها العالقين في الريف، لا من أطباء ولا من ممرضات.
وما أثار استغراب كلاً من الأطباء والممرضات عند السؤال عن المكافأة، هو تحديدها لقسم عمل ما دوناً عن غيره، فمثلاً حصلوا على إجابات عديدة، منها مثلاً أن “المكافأة تشمل الإسعاف ولا تشمل العناية المركزة، بينما قسمت كذلك العناية إلى أقسام يشمل بعضها المكافأة ولا يشمل الأخرى”.
ونوه الأطباء إلى أن “كافة العاملين في المستشفيات معرضون للخطر، كونها تحولت لأقسام عزل، ناهيك عن أن الأطباء يجتمعون سوية بشكل يومي، من خلال العمل، وبذلك تحول أي مستشفى إلى بؤرة موبوءة تؤهل أي شخص فيها للإصابة بالمرض”.
وكان مجلس الوزراء وافق بداية نيسان الماضي على صرف مكافأة مالية شهرية للكوادر الصحية العاملة بشكل مباشر في التصدي لوباء كورونا في وزارات الصحة والتعليم العالي والدفاع تقديراً لجهودهم المبذولة خلال هذه المرحلة في رفع جهوزية القطاع الصحي لمواجهة الوباء.
لين السعدي – تلفزيون الخبر