في بداية الموسم.. ما علاقة الدراما السورية بـ”الفول”؟
المتابع لبداية الموسم الرمضاني هذا العام سيتلمَّس أزمة هوية درامية عميقة، وجميع المقولات عن طائر الفينيق الدرامي الذي سينهض من رماده ستسقط بالضربة القاضية، فليس هناك ولا حتى جمرة واحدة تُشعرنا بحرارة انتماء تلك الدراما إلينا.
الحُكْم النقدي السابق ليس مبنياً على أن مسلسلات هذا العام لم تكن مرآة لواقعنا، أو تعكس هواجسنا وهمومنا اليومية، وما إلى هنالك، وإنما لأنها بالأساس لم تستطع حتى الآن أن تبتكر تلك الصلة الوطيدة مع جمهورها، ولا أن تثير اهتمامه للاستمرار في المتابعة.
ولعل السِّمة الأبرز لمعظم الأعمال، حتى لا نظلم بعضها، هي “المطمطة” و”الشطشطة”، بحيث أن الفعل الدرامي يستهلك زمناً أكثر من الفعل الواقعي، لدرجة تحس معها بأن اللحظة الدرامية تستمر دهراً، فهل من المعقول أن تستمر عملية “طلق” امرأة حامل حلقة كاملة في مسلسل “سوق الحرير”؟
والأنكى ما هذه المصادفة الخطيرة التي تلد فيها زوجتان لرجل واحد في اليوم ذاته، ثم تموت إحدى الزوجتين ويختلط الأولاد…؟ البعض يقول أن مثل تلك الأحداث لا يمكن أن تجدها إلا في أعمال “بسام الملا”، ومثلها بناء الحكاية على شهادة “الداية” وحلفانها، بحيث تشعر أنك في “باب الحارة” بنكهة أقل فجاجة، وطبعاً الحكم مبدئي ريثما تتضح معالم العمل.
بعض الأعمال تحس أنها من خارج التاريخ، ولا علاقة لها بأي زمن، فهي ترفض الواقع و”ترفسه”، كما أنها تسخر من جميع التصنيفات الدرامية، لتكون فعلاً خارج ليس فقط التصنيفات وإنما خارج الدراما بحد ذاتها، ونقصد هنا “بوشنكي”، وأفضل ما فيه برونزاج الممثلات وملابسهم وماكياجهم.
الخشية الأكبر أن يتنطَّع أحدهم ويقول عن مثل هذا العمل أنه “كوميدي”، حينها سنبكي من التأثر، ونرفع الصوت عالياً بالقول: “طبيعي”، كما فعل أستاذا الدراما “فايز قزق” و”عبد المنعم عمايري” في إعلان الشيبس “الباهر” و”الرائع” و”الفلتة”.
وهنا سنغتنم الفرصة، للتذكير بأنه ليس من “الطبيعي” بشيء، ولا المنطق الدرامي، أن تُطِل علينا نَجمات أعمال البيئة الشامية، بابتسامات هوليوود، وكل هذا “الفيلر”، و”البوتوكس”، و”بوز البطة”… وقد نغض الطرف قليلاً على اعتبارها فانتازيا، أما أن تكون “أم المطران كبوتشي” في مسلسل “حارس القدس” من بين أولئك فهنا الطامة الكبرى.
ولزيادة نغمٍ في الطنبور، تأتي “الخبيصة” في اللهجات، سواءً من ناحية عدم النجاح في تأديتها، أو من جهة عدم وجود مبرر درامي لها، وكأن لدى البعض قناعة بأن ذلك سيُنكِّه العمل، ويجعله أقرب إلى شريحة واسعة من الجمهور، في حين أنه يُخلِّ في عملية التَّلقِّي من أساسها.
ليست اللهجات فقط، بل هناك أكثر من عمل أضاف “الغجر” إلى قاموس شخصياته، من مثل مسلسل “يوماً ما”، بحيث تشعر لوهلة أنك أمام نسخة رديئة من مسلسل مكسيكي، لاسيما مع أسلوبية الأزياء الغجرية والماكياج و”وشم” الوجه وما إلى هنالك، فضلاً عن الحبكة “الهندية” والعياذ بالله.
وإلى جانب الغجر، هناك “الفرنسيون” في الأعمال التي تتناول جزءاً من تاريخ سوريا أربعينيات القرن المنصرم، وبعض الشخصيات الأخرى من لبنانيين ومصريين وعراقيين وخليجيين، من دون مبرر درامي، ما يزيد التباس هوية الدراما السورية، فتبدو “مائعة” مثل كثير من مفاصل العمل فيها الفنية والتقنية.
ومع عدم الاهتمام ببناء المُقدِّمات الدرامية بطرق مشوِّقة، وبتصعيد متين، وشخصيات جديرة بالحياة درامياً، وأحداث تخلق صلة حقيقة مع متلقيها، ومع قلّة الدراية من قبل الممثلين والمخرجين والفنيين لعملهم، تصبح الدراما السورية وكأنها مصابة بفقر الدم الانحلالي بعد أكلة فول جعلتها “تُفوِّلْ” على الآخر.
تلفزيون الخبر