العناوين الرئيسيةموجوعين

ما الذي يفعله السوريون في ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة؟

“إجت”.. لهذه الكلمة معنى واحد في يوميات السوريين، فهي بالطبع تخص “الكهرباء”، والتي تحولت بحد ذاتها إلى محرك للجميع، وكأن الدماء التي تسري في عروقهم تعمل هي الأخرى على الطاقة الكهربائية الشحيحة.

ساعات من الانقطاع تبدو دهوراً في حياة المنتظرين، لا كهرباء يعني لا ضوء ولا تلفاز ولا شحن لأي من الأجهزة التي “لا تشبع” ، والأسوأ شتاءً أنها تعني لا تدفئة، واليوم : لا طعام مطبوخاً في منازل باتت أكثر مما يحصى ويعدّ.

فالكهرباء التي “كانت” تصلح بديلاً للمازوت والحطب والغاز، موسومة بوسم “مفقود”، يتشارك جريمة اختفاءها الطقس والضغط والكابلات السيئة والسارقون وطبعاً الفيول والغاز ومجموعة من التكهنات التي لا يتكرم على السوري أحد من المسؤولين بتأكيدها أو نفيها.

إذاً ما الذي يفعله السوريون في ساعات التقنين مضافاً إليها الأعطال التي لا تنتهي، في أماكن وصلت حد غيابها أياماً، ما يعني تعطل كثير من الأعمال والدراسة، والبقاء دون “تواصل اجتماعي”، و”الإجبار” على إيجاد نشاطات أخرى، تملأ الوقت.

عاماً بعد عام، اعتادت ميساء وعائلتها مكرهين على أشهر الشتاء معدومة الكهرباء، وعادت وسائل التسلية القديمة لتحضر، خاصة في ساعات المساء حيث لا عمل ولا دراسة، وتقول لتلفزيون الخبر: “ورق الشدة والطاولة وما شابه صارت حاضرة في سهراتنا، نحن نلجأ إليها للهروب من التفكير بالمشاكل والهموم، والحديث عنها الذي لا يقود إلا لزيادة الأسى”.

يحضن أبو وسيم راديو صغيراً يعمل بالبطارية محاولاً العثور على بث لبعض المحطات في منطقته الريفية الجبلية، ويقول ضاحكاً: “هذا رفيقي من سنين طويلة، ما في تلفزيون و كل وواح من االعيلة منشغل بحياته، هنا أسمع الأخبار والأغاني وأتسلى، الكهرباء من زمان قطعنا منها الأمل”.

ليس لدى أبو وسيم أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يعنيه كثيراً أن يشحن هاتفه المحمول الذي ينسى وجوده في أغلب الأحيان، ويضيف ” بعد التقاعد صارت الطلعات قليلة، والأولاد يتواصلون مع زوجتي أكثر، وإذا احتاج الأمر الهاتف الأرضي موجود، والحمد لله لساتو شغال مابدو كهربا ولا غاز”.

بالنسبة لشيماء (طالبة جامعة)، في غير أوقات الامتحانات “عندما ينتهي شحن كل شيء، النوم هو الحل، أنام لساعات طويلة، وأعرف كثيراً من صديقاتي مثلي، مع ضبط المنبه على أوقات العودة المفترضة للتيار، فإذا “ما إجت” أتابع النوم”.

وأردفت شيماء “هذا طبعا في الشتاء، وفي الصيف قد يختلف الأمر قليلا فيكون المجال متاحاً للخروج وقت التقنين، فنجتمع لدى أحد الأصدقاء الذين لا تقنين عندهم في هذا الوقت، أو في أحد المقاهي”.

“استبدلنا السيشوار وكل ما يحتاج كهرباءً لتصفيف الشعر، وعدنا إلى “الجل” وما شابه، لحسن الحظ أن موضة الشعر المجعد دارجة، وحتى الشعر المنفوش صار ليس غريباً، والحمد لله أن اللباس الشتوي معظمه لا يحتاج كوي ” تتابع ضاحكة.

أما غزل، أخت شيماء، فتتسلى ” بالعناية ببشرتها وأظافرها”، ” صرت حضر خلطات منزلية سبق وجبتها من النت، واتسلى فيها، وجرب حتى بأمي وأخواتي”.

عادت الجمعات العائلية إلى بعض الأسر في أوقات انقطاع التيار، وعادت معها بعض الطقوس كرواية الحكايات واستعادة الذكريات البعيدة، لكن بالنسبة لنيفين، صار الوقت الذي ينتظرون فيه الكهرباء مجالاً لشجارات لا تنتهي بين أبيها وأخوتها، وتقول:” بالأوقات يلي مننجبر فيها نسهر سوا وبلا كهربا، بصير أي موضوع سبب لمشكلة، الكل دايق خلقو ، أخي بلاشغل والتاني دراستو معطلة لأن حتى البطارية ما عم تلحق تشحن، بس الجو مشحون”.

ينجز محمد وهو مخبري أسنان ما يستطيع إنجازه من العمل غير المعتمد على الكهرباء، ثم يجلس منتظراً مجيئها بفارغ الصبر، ويصف الحال :” على هذا الحال سيتوقف العمل بعد فترة قصيرة، الكهربا بتجي 2ساعتين وبتنقطع 4ونحن بنص المدينة، شو تركو للريف؟”.

وتابع ” عملنا يعتمد على آلات كهربائية لا تستطيع البطاريات العادية تشغيلها، وفي هذه الأوقات حتى التيار الذي يصل ضعيفاً، لا يساعد كثيراً في تشغيلها وعملها بشكل جيد ما يعرضها للخطر، في هذه الحال التوقف عن العمل يبدو أفضل وأكثر جدوى”.

عرف السوريون هذا العام شتاء من أقسى الشتاءات التي مرت عليهم طيلة سنوات الحرب، فبعد صيف واعد مضى بتقنين معدوم، ووعود بشتاء خفيف التقنين يعانون اليوم من غياب الكهرباء والغاز وغلاء غير مسبوق، وسط انعدام بارقة أمل بتغير في الأوضاع على المدى المنظور.

شكاو كثيرة من كل بلدة وقرية وحتى مراكز المدن، من انقطاعات طويلة ومتكررة سببت احتراق كثير من الأجهزة الكهربائية، وانقطاع المياه بشكل مرافق، خاصة في فترة المنخفضات الجوية.

التي كان آخرها منخفض قطبي جعل دمشق وبعض المحافظات الداخلية تدخل في قائمة المدن الأكثر برودة، والأكثر حاجة للدفء والأكثر افتقاراً له ولوسائله، كما جعل السوريين في لائحة الشعوب الأكثر انتظاراً لمرور هذا الوقت بكل ما فيه.

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى