في سوريا.. أقدم معاهدات سلام في العالم تعود إلى ما قبل الميلاد
حروب متتالية، هو أبرز ما ينقله لنا التاريخ عن منطقة بلاد الشام، وكأن السلام غادرها دون رجعة، فهل يعود وصفها ب”أرض السلام “إلى معاهدات أبرمتها شعوب ما قبل الميلاد؟
في المتاحف السورية ومثلها العراقية وغيرها، نصب عديدة معروضة تعود لمعاهدات بين الممالك التي أقامت حضاراتها على أرضها، ومنها معاهدات مملكة إيبلا وأوغاريت والسفيرة العربية الآرامية أول معاهدة كتبت بالأبجدية.
ويشير بحث نشرته مجلة “الشرق الأوسط الأكاديمي”، إلى أنه وخلال البحث في النقوش القديمة في الألف الثالث والثاني والأول قبل الميلاد، نجد في نقش السفيرة الآرامي 86 % من مفردات اللهجة العربية الآرامية، كما نجد 11,2 % من الكلمات التي نستعملها في عاميتنا مثل “برا” و “جوا” وغيرها.
ويذكر الباحث علي القيم أن “من أقدم المعاهدات أيضاً تلك المعاهدة التي كانت بين مملكة إيبلا (تل مرديخ) وسط سورية ومدينة أبارسال التي تقع في أعالي منطقة الجزيرة السورية على الحدود السورية العراقية بالقرب من نهر دجلة.
أو على حسب قول بعض الآثاريين أنها تقع على الأرجح بين مملكة ماري ومملكة إيبلا وهي أقدم معاهدة سلام في العالم يعود تاريخها الى 2400 سنة قبل الميلاد، ويتحدث النص المحفوظ في متحف إدلب عن أقدم اتفاقية سلام دولية موقعة بين مملكة “إيبلا إركب دمو” ومملكة “أبرسال”..
ومما تتضمنه الاتفاقية التي تعد واحدة من أقدم الاتفاقيات السياسية التجارية المدونة بالنقوش المسمارية أنه: “في حال تشاجر رجل من مملكة أبرسال مع رجل من مملكة إيبلا أثناء احتفال إيزيس وقُتل الرجل الإبلائي يفرض على رجل مملكة أبرسال غرامة قدرها 50 رأساً من الغنم”.
ويتابع النص “وفي حال قُتِلَ رجل مملكة أبرسال يفرض على رجل مملكة إبلا غرامة قدرها 50 رأساً من الغنم، كما تلزم الاتفاقية ملك مملكة أبرسال بعدم التعرض لأغنام مملكة إيبلا إذا دخلت أراضيه وتركها تأكل وتشرب”.
وإيبلا هي مملكة سورية قديمة قامت في تل مرديخ، وتبعد عن حلب حوالي 55كم، وازدهرت في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وامتدت المناطق التي كانت تحكمها من الفرات شرقاً وحتى المتوسط غرباً، ومن طوروس شمالاً وحتى حماه جنوباً.
ووقّعت مملكة إيبلا العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدبلوماسية والتجارية الدولية مع جيرانها أهمها المعاهدة التي وقعت بين ملك إيبلا وملك آشور بهدف تنظيم العلاقات السياسية والتجارية والدبلوماسية بين المملكتين، ومعاهدة السلام المؤقتة التي وقعت بين ملك إيبلا وملك ماري، وهي أقدم من معاهدة السلام المصرية الحثية..
أما عن نقش السفيرة العربي الآرامي، يذكر الدكتور بهجت القبيسي إن “ما يميز هذه المعاهدة عن غيرها أنها أقدم معاهدة كتبت بالحرف الأبجدي فهناك معاهدات أقدم منها ولكنها كتبت بالمقطعية المسمارية مثل معاهدة إيبلا وأوغاريت.
وحول هذه المقطعية فإن كل شكل في نقش المعاهدة يمثل صوتاً أو صوتين بحرف أو حرفين وأحياناً ثلاثة إنما الأبجدية مثلت كلٌ صوت بحرف واحد.
وتعتبر هذه المعاهدة بحسب القبيسي، من أطول وأجمل المعاهدات المكتوبة في التاريخ، حيث تتألف من /193/ سطراً، وتكمن أهميتها أنها تكشف الكثير من المناطق التي كانت مجهولة.
حيث كشفت جغرافيا كبيرة جداً فكلمة “عراق” موجودة بحسب المعاهدة منذ حوالي عام 1200 قبل الميلاد، وليس كما يقول البعض أنها ظهرت في العصر الإسلامي.
كما أن هذا النقش يتحدث عن ملكين اتفقا وتحت جناح كل ملك عدة ملوك لأن في هذه المعاهدة يظهر أن هناك ما ينوف عن عشرة ملوك آخرين.
وبالإشارة إلى المناطق الجغرافية التي تغطيها هذه المعاهدة فقد أخذت مساحة كبيرة تمتد من أضنه في جنوب تركيا وحتى مكة المكرمة حيث ورد اسمها في المعاهدة باسم بكة وكذلك فقد ورد اسم مصر في النقش كذلك.
وكان الموقعون على الميثاق أو المعاهدة يشهدون الآلهة على نص معاهدتهم، فتذكر النصوص أن ملكين أحدهما خاف من الثاني أن يغدر به فوقع معه معاهدة تصب اللعنات على الغادر منهما من قبل الآلهة وهذه كانت موضة العصر سابقاً.
وهناك معاهدة أخرى محفوظة في المتحف الوطني بدمشق حيث يتم حفظ النصب المنقوش عليه نص المعاهدة المعقودة بين ملكين من ملوك سوريا الشمالية وهما “بارجايا” ملك (كيتاك) وهي بلدة مجهولة قرب مكان اكتشاف هذا النصب والتي تقع على بعد 20 كيلومتراً جنوبي شرق حلب، و”متعال” ملك (أرفاد) المعروفة اليوم بتل رفعت أو تل أرفاد على بعد 30 كيلومتراً شمالي حلب.
وفي بلاد الرافدين وعلى مقربة كثيراً من سورية حدث أقدم اتفاق سياسي دولي في العالم قد وُقِّع نحو عام 2400 ق.م بين مملكة لكش ومملكة أوروك في أرض مملكة سومر في بلاد.
كما اكتُشف في قصر “زمري ليم” ملك ماري أربع اتفاقيات سلام تنسب إلى الفترة الواقعة ما بين 1775-1761 قبل الميلاد أي الفترة التي حكم فيها الملك زمري ليم مملكة ماري.
وأهمها معاهدة السلام التي وقعت مع حمورابي ملك بابل ومعاهدة السلام التي وقعت مع مملكة أشنونا (موقع تل أسمر الأثري حالياً) وهي دويلة سومرية قامت بين نهري دجلة وديالي وسفوح جبال زاغروس الشرقية وبقيت مستقلة إلى أن ضمها حمورابي ملك بابل إلى نفوذه عام 1761 قبل الميلاد.
إن جميع هذه المعاهدات تعود لممالك الدول وانتشرت على نطاق ضيق جداً، حيث أن مساحة المملكة الواحدة أحياناً لا تتعدى بضعة كيلومترات، في حين تتعدى في معاهدات أخرى أقاليم بأكملها.
ولكن معاهدة قادش كانت بين إمبراطوريتين حكمتا مناطق واسعة وذات أثر كبير في جنوب بلاد الشام وشمال شرق حمص وشمال سوريا والأناضول.
ووجدت بنودها على جدران معبد الكرنك المصري ويعود تاريخها الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهذه المعاهدة تمت إثر الاتفاق بينهما على الصلح بعد معركة قادش الشهيرة التي وقعت قرب بحيرة قطينة التابعة لمحافظة حمص السورية.
وتعرض متحف إدلب الذي افتتح في العام 1989 ثم أغلق أبوابه في العام 2013 خلال سنوات االحربإلى التخريب وأعمال النهب بعد سيطرة المجموعات المسلحة على المحافظة.
وكان المدير العام السابق للمتاحف والآثار السورية مأمون عبد الكريم أكد في تصريحات سابقة أن “الغالبية المطلقة من القطع الأثرية في المتاحف السورية تم إنقاذها ووضعها في أماكن آمنة في دمشق.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر