في مئوية ولادته.. “نصير شورى” موسيقي الأشكال وشاعر اللون
يصادف هذا العام الذكرى المئة لولادة الفنان التشكيلي “نصير شورى” الذي استطاع عبر مسيرته الطويلة أن يكون علامة فارقة على صعيد ريادته التشكيلية وخصوصية أسلوبه في رسومات لمدينته دمشق المُقبلة على الحداثة الفنية.
والده كان صيدلانياً، أما خاله فهو “محمد كرد علي” المؤرخ والعلامة ومؤسس المجمع العلمي العربي بدمشق، ودرس الثانوية في “مكتب عنبر” وهناك اجتمع بمعلمه “جورج بولس خوري”، الرجل الذي تعلم فنون الرسم والزخرفة في باريس.
في سن السادسة عشرة انضم إلى دار الموسيقى الوطنية بصفته عازف أكورديون. غير أنه بعد سنتين، أي في العام 1938 أقام معرضاً للوحاته في نادي ضباط دمشق، وحينها قرر الذهاب إلى إيطاليا لمتابعة دراسته الفنية لكن الحرب العالمية الثانية أجبرته على الانتقال إلى مصر لدراسة الرسم فيها.
قضى في مصر خمسة أعوام، من دون أن يترك فنها أثراً في أعماله، لا في الواقعية كما جسدها “محمود سعيد” ولا السريالية التي تمثلها “رمسيس يونان”، إذ كانت الانطباعية قد تمكّنت منه حينها، وتعززت عام 1950 حين رأى “شورى” لوحات ملهميه من الانطباعيين، ما دفعه في السنة التالية للذهاب إلى روما ليطّلع على أعمال المحدثين من الرسامين.
وعندما عاد “نصير” إلى دمشق كان رسولاً للحداثة، على الرغم من أنه لم يتخذ التجريد أسلوباً في الرسم إلا نهاية الخمسينات، حتى يقال إنه سبق في تجريديته زميله ورفيق عمره “محمود حماد” بسنة واحدة.
ولعل “مرسم فيرونيز” الذي أسسه عام 1941 كل من شورى ومحمود حماد وميشيل كرشة ومحمود جلال ورشاد قصيباتي وعبدالوهاب أبو السعود لعب دوراً كبيراً إذ كان أول تجمع فني في تاريخ الحركة التشكيلية السورية.
ولأن المرسم كان في الأصل ورشة دهان للمفروشات وألعاب الأطفال، فقد كان الفنانون يصنعون في أوقات فراغهم ألعابا خشبية للأطفال. لعب المرسم دورا مهما في الحياة. فيه كان الفنانون يتبادلون خبراتهم ويتلصّص بعضهم على البعض الآخر في محاولة للتعلم والتجاوز.
أما حين استضاف المرسم عددا من الفنانين القادمين من شرق أوروبا هرباً من الحرب فقد كان ذلك الحدث فرصة للفنانين السوريين لاختبار أعمالهم من خلال عيون غريبة، وفي تلك المرحلة مارست الانطباعية تأثيرها على جماعة “فيرونيز”، وهو ما كان ينسجم مع المزاج السوري في ميله إلى التماهي مع الطبيعة بكل ما تنطوي عليه من ترف.
الانطباعية مع نزعة تعبيرية هي ما استهل بها “شورى” علاقته التصويرية مع المشاهد البيئية والصور الشخصية، لتصبح رسوماته بمثابة يوميات لحياة دمشق بطابع تعبيري خاص، بعيدا عن مقاييس الحرفة التي كانت في متناول الجميع.
“شاعر اللون” كان ذلك لقبه الذي لازمه في مختلف مراحل تطوره الأسلوبي. من انطباعيته التي تميزت بميلها إلى الواقع إلى تجريديته التي كان في بعض مراحلها حروفياً وكان الشغف باللون مهيمنا عليه.
عام 1960 كان أحد مؤسسي كلية الفنون الجميلة، وعام 1965 أسس مع محمود حماد وإلياس الزيات وفاتح المدرس جماعة “د” التي يحيل اسمها إلى دمشق، ليكونوا بمثابة مؤسسي وعي حديث بالرسم، كان شورى يومها يختزل الأشكال مستعيناً بخبرته اللونية، ما جعل تجريديته غنائية، أي أنه “موسيقيّ الأشكال” و”شاعر اللّون”.
وفي السبعينات استطاع “شورى” أن يكون انطباعياً في تجريده، وتجريدياً في انطباعيته، وفي الوقت ذاته لم تكن بين التشخيص والتجريد أي مسافة في إمكانها أن تحرجه، “إذ لم يخن عواطفه الباذخة حين يكون انطباعياً ولم يبدّد شيئاً من صرامته حين يكون تجريدياً” كما يرى الناقد “فاروق يوسف”.
يقول شورى في إحدى حواراته إنه مرّ بثلاث مراحل. كان في الأولى انطباعياً وفي الثانية تجريدياً، ويومها بدأ ولعه بمادة الإكرليك، أما في المرحلة الثالثة فإنه عاد إلى الطبيعة، بعدما علمته المرحلة التجريدية خصائص جديدة في اللون، سماها الواقعية الجديدة، منطلقاً في مقدمة اللوحة من مساحات هندسية ينهيها بأشجار متفاوتة الأبعاد. متصرفاً بحرية كاملة.
أما الناقد فاروق يوسف فيشير إلى أنه “ما من رسام سوري احتفى بحريته مثلما فعل نصير شورى.كان رساماً سعيداً. ملك المرئيات من حوله فرسم مدينته التي أحبها بطريقة قرّبته من الانطباعيين الفرنسيين الذين شغف برسومهم، غير أنه كان في الوقت نفسه وفياً للأرواح التي تحلق في هواء تلك المدينة فكان تجريدياً بطريقة لم تبعده كثيراً عن مفردات حياته الشخصية”.
منذ بداية الستينات كان نصير شورى مدرّس الرسم الذي تتلمذت على يديه أجيال من الرسامين السوريين، ويرى كثيرون أن كثيراً من الرِّقة التي تسللت إلى لوحات الرسامين كان مصدرها التأثر بتجربة شورى الذي أغمض عينيه عام 1992 على مشهد فني عظيم في سوريا بعدما كان واحداً من أهم بناته.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر