هل “التنمية البشرية” علمٌ أم مجرد “تفاؤل زائف”؟
ما إن تزور أي معرض كتاب أو تمر أمام “بسطة” كتب هنا وهناك، أو تتفحص مكتبات متواضعة اقتناها الشباب، حتى ترى عشرات الكتب تدعو للنجاح بعناوين محفزة، من تملّك مفاتيح النجاح، والسعادة، والطاقة الإيجابية، وكلها تصب تحت مسمى ما عرف بـ”علم التنمية البشرية”.
ومنذ انتشار كتب التنمية، حتى نشأ خلاف في الأوساط العلمية، حول أنها “علم”، أم “علم زائف”، وبرزت تيارات مختلفة بعضها يؤيدها ويقرأها وينصح بها، وآخرون يحاربونها ويدعون لمقاطعتها، وما بين هذا وذاك يملك كل تيار حججاً تؤيد وجهة نظره وتدحض وجهات النظر المغايرة.
يقول “أحمد الطُبل” مؤسس نادي شام الثقافي لتلفزيون الخبر، إنه “شخصياً ضد كتب التنمية البشرية” ويرى أن “الناس لاسيما بعد الحروب والأزمات بحاجة لشماعة يرمون عليها أفعالهم، وكانت التنمية البشرية أبسط السُّبل للخلاص من الضغوطات، والوصول إلى راحة البال، لأنها مبنية على البديهيات”.
وعن رأيه بكونها علم أم لا، وجد الطُبل أنه “بعد قراءة متعمقة بها، يعتبرها علم زائف في حال سميت “علماً”، وغدا المدربون يلتفون حول هذه الجزئية باعتبارها “فن” على حد تعبيرهم، وهم الآن محصورون بمدرب ودورة وشهادة تعطيك ما تَعْلَمْ كترتيب الأولويات، وتنظيم الوقت وغيرها”.
ويتابع إن “التنمية البشرية تقدم “كوكتيلاً” من عدة علوم، كل منها سليم بمفرده، من علم اجتماع، طب، دين، علم نفس وفلسفة، بينما المزيج المقدم منها جميعاً عندما يتشربه الناس يعتبر مصيبة حقيقية”.
على الضفة الأخرى، تملك “نيفين عبد الرؤوف”، وهي كاتبة سورية شابة، رأياً مخالفاً حول التنمية البشرية، وقالت لتلفزيون الخبر إنها “تؤيد نوعية الكتب المتعلقة بالطاقة والتنمية البشرية، وتؤمن بأنها علم وتستنكر أن تكون مادة مادية للنشر”، وتذكر أنها “ساعدتها في عدة مفاصل خلال حياتها”.
وكونت عبد الرؤوف رأيها لما تراه من أن “الكون عبارة عن طاقة، وكل إنسان له هالة وطاقة معينة”، وتتحول لأمر زائف وتجارية عندما يحاول البعض نشر أمور مثل “كيف ستربح ألف دولار من لا شيء” هذا غير مقبول، بالإضافة لبعض ممارسات الطاقة الموجودة على “اليوتيوب” التي تتحدث عن ترديد عبارات معينة باعتقاد أن تكرار قولها سيؤدي إلى تحقيقها لاحقاً”.
وتوضح عبد الرؤوف أن “هناك أمور منطقية وأخرى غير منطقية وهي مخترعة، الطالب لن ينجح إن وقف أمام المرآة وقال “سأنجح” ألف مرة، لكن بعد الانتهاء من الدراسة، يمكنه التخلص من الطاقة السلبية المتمثلة بالفشل والخوف والتوتر”.
وعن الجدلية العلمية حول هذه الكتب، ذكرت عبد الرؤوف أن “كل كتب العلوم والتاريخ والجغرافيا الوجه المشترك فيها أنها علم ولغة، لذلك أقول إن الطاقة هي لغة علم التنمية البشرية”.
وأضافت: “الباحث في التنمية البشرية ينطلق من تجارب شخصية وعلى أساسها يفرض تجاربه وآراءه التي يصدرها للآخرين، باقي الأشخاص يجدون أن تلك القوانين تناسبهم، وهو علم مكتشف ولا يمكننا دوماً أن نطلق العلوم فقط على بحوث قديمة، بل المستقبل يقبل على الدوام اكتشافات جديدة منها علوم التنمية البشرية والطاقة، ومن هنا تولد العلوم الحديثة”.
وحتى يكون العلم علماً، لا بد أن يخضع لمنهجية قاسية ًوشروط يجب أن يمتلكها أي مجال معرفي ليقال عنه علم، أولها بحسب المبادئ الأساسية للعلم هو “التنبؤ” فالعلم هو حالة وصفية تنبؤية، كالفيزياء مثلاً لأنها تقول إننا نجد في الكون ثقوباً سوداء، وبعد سنوات طويلة من المراقبة يجدونها فعلاً في الكون، وبذلك تنبأت الفيزياء وصدقت.
وبهذا يكون المبدأ الأول بالنسبة لـ”علم” التنمية البشرية هو مجرد أمثلة حول أناس تفاءلوا ونجحوا، توقع مستقبلي ملموس وقابل للتجربة.
ويخضع العلم للمبدأ الثاني وهو “التعميم”، كحقيقة أن “المعادن تتمدد بالحرارة، فيجب على كل معادن الأرض أن تتمدد بالحرارة وإلا القانون خاطئ ولا يسمى قانوناً، ولا يكفي مثال أو اثنين أو ألف، الكل أي الكل، ويقابل ذلك في التنمية اعتماد الأمثلة الفردية وهو الأمر البعيد عن مفهوم “التعميم العلمي المطلق”.
أيضاً من الشروط التي يجب توافرها هو “عدم مخالفة أي معلومة علمية مؤكدة”، والتنمية تذخر بالمغالطات العلمية، حيث ينتقد المجتمع العلمي أشهرها وهي مقولة “التفاؤل هو أساس النجاح” التي تؤسس “علم” التنمية، والتي يعتبرها خبراء مناقضة لدراسة علمية موثوقة في علم النفس كتلك التي قام بها “توماس لانجنز” وأكدت النتائج عدم صحة هذا الاعتقاد.
وينشر مدربو التنمية البشرية أن “الإنسان يستخدم فقط 10% من دماغه”، وهي معلومة تناقض أساسيات علم الأعصاب “النوروساينس” كما نشرت مجلة “الساينتفك أمريكان”، حيث أن “الطاقات الدماغية التي تربط الكون ببعضه كما يقول رواد التنمية، رغم اعتمادها على أساس صحيح وهو أن هناك تيار كهربي في المخ يولد مجال مغناطيسي، لكنه ضعيف جداً لدرجة أن الإنسان يحتاج أجهزة غاية في الدقة لرصده، ولا يستطيع بأي حال من الأحوال الخروج من الدماغ والانتشار في الكون أو وصوله لأدمغة أخرى والتأثير عليها كما يدعون”.
وحتى يقال عنها علم يجب أن تخضع لما يسمى “مراجعة الأقران”، كمبدأ آخر، وهو معني بأن “تسلّم نتائج البحوث لجهات علمية محايدة ومتخصصة يتم فحصها، وهذا جرى حقيقةً و أكد المجتمع العلمي أنها “ادعاءات زائفة لا تستند لأي أساس علمي أو نظريات عليها دلائل كافية”.
وتوضح هذه الأمثلة وغيرها المئات مما يخالف العلم المثبت، وهناك حيلة يعتمدها مدربو التنمية البشرية ومؤلفو كتبها وهو نشر معلومة على أساس علمي ما، ثم تحوير هذا الأساس ليناسب استنتاجاتهم، أو ما يريدون الوصول إليه، كما يجد الباحثون.
ويرجع تاريخ انتشار التنمية البشرية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية خاصة في البلاد التي خرجت من ويلات تلك الحرب، أما عربياً فعرفت تلك التنمية أعلاماً عدة منهم د.ابراهيم الفقي، وطارق سويدان، وصلاح الراشد.
لين السعدي – تلفزيون الخبر