الفنان “يعقوب إبراهيم” يَنَحَتُ وَجْهَ الحرب على القماش
استطاع الفنان التشكيلي “يعقوب إبراهيم” في معرضه الأخير ضمن المركز الوطني للفنون البصرية أن ينحتَ وجه الحرب على القماش، مُستعيراً تقنية “الفريسك” (النقوش الجدارية) وتطويعها لتستقر على القماش الأبيض من خلال إيحاءات لونية وخطوط غرافيكية شفيفة.
هذه الأسلوبية الفريدة كما قال الفنان “يعقوب” لتلفزيون الخبر لا تندرج تحت تصنيف مدرسة فنية معينة، بل هي خصوصية فنية تَوَصَّلَ إليها من خلال الدمج بين تعبيرية الوجوه بأقصى درجاتها، وروحية الخطوط، وتهشيرات اللون وشفافياته، بحيث تعطي إحساساً بأنها وجوه نافرة عن السطح.
وأوضح الفنان التشكيلي أن هناك ملامح غرافيكية واضحة فيما يشتغل عليه، حاول توظيفها مع إيحاءات الفريسك على قماش اللوحة، وفي الاتجاه الآخر ثبَّت على الحجر الصناعي مناجاة وجوهه، ويأسهم، وخوفهم، بحيث تكاد تلك الوجوه البشرية أن تُقارب وجوه أسماك خرجت للتو من مائها.
يقول الفنان “يعقوب إبراهيم”: مثل كل الحروب في العالم، يتحطم الضعفاء والمساكين، وتتحطم النفوس والأشياء، ويتمزق التاريخ وتولد الصرخات لتتشكل أيقونة على وجه اللوحة، وتنحت الحروب وجوهاً محروقة، وأخرى غارقة متحولة إلى وجوه أسماك مناجية، وليدفن بعضها مع آثار البلاد.
أما عن دور الفن في الحروب يوضح : يكمن ذاك الدور في حقيقة أن الفن هو الوثيقة الحسية الثابتة والأكثر صدقاً من أي وثيقة أخرى، مبيناً أنه من حسن حظه أن تخصصه في الجداريات ضمن جامعات إيطاليا أنشأ علاقة بينه وبين الفن الأسطوري الخالد، ساعياً لجعل فكرته الفنية أكثر امتداداً في الزمن.
غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية كتب على بروشور العرض أنه ليس غريباً أن يكون موضوع المعرض هو الحروب الشرسة، لكن المميز أنه رغم الألوان وبهجتها إلا أننا نرى الخطوط الغرافيكية النزقة في كل الاتجاهات بموتيفاتها المعبرة والمؤلمة والتي تلتقي مع العصب المتألم والمقهور للفنان.
وأضاف: فن “يعقوب” يحمل روح الفريسك بامتياز، وهذا ما لا نراه دائماً في التصوير، لكنه يضيف تضاداً بين الشفافية وعجينة اللون والخط الغرافيكي، والأمر ذاته يتكرر في وجوهه المنحوتة والتي تحمل نفس العلاقة الجدلية في وسائله التعبيرية.
من جهتها الفنانة “أسماء فيومي” بيَّنت في تصريح لتلفزيون الخبر أن ما لفت نظرها إلى جانب التقنية الفريدة، شفافية الألوان وكثافة العناصر الموحية بمناخات الأساطير السومرية، وكأن الفنان جَلَبَ تلك الألوان من بلاد ما بين النهرين وسخَّرها لأسطرة الألم السوري المستمر.
وأضافت: الفنان “يعقوب” يسعى لتثبيت الزمن في وجوه منحوتاته، وكأنه يريد أن يجعل الأحزان طازجة، ولعل اشتغالاته على ما يشبه الفريسك على لوحاته، هو تأكيد على تلك الطزاجة الضرورية لمثل تلك المنحوتات خلال تعاطي الفنان مع المواد المُشكلة للسطح النافر.
أما الناقد الإيطالي “فاليريو ديهو” فكتب كلمةً عنونها بـ”يعقوب إبراهيم.. سوريا بلا عنوان” جاء فيها: إنه فنان انتقائي بشاعرية مفرطة، “يعقوب” لم يقطع صلته مع ثقافته، مع شعبه، وأصوله حتى بعد دراسته في إيطاليا، ففنه مرتبط دائماً بالتاريخ والتقاليد، ومن المؤكد أن الحرب الراهنة في سوريا دعته لأن يشارك أحزانها فنياً.
وأوضح “ديهو” أن الفنان أنشأ تقنية منفردة كثّف من خلالها حضور الغرافيك، جاعلاً منه مادة حية، جنباً إلى جنباً مع الخدوش على القماش، فالمأساة متغلغلة في عمق أعماله، وهو يسعى ما استطاع ليكون شريكاً لشخصياته في أحزانهم وغرز أظافرهم على سطح اللوحة.
يذكر أن هذا المعرض يحمل الرقم تسعة ضمن معارض “يعقوب إبراهيم” الفردية، ويستمر في صالة المركز الوطني للفنون البصرية طيلة الشهر الحالي وحتى منتصف الشهر المقبل.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر