المايسترو السوري “نوري رحيباني”.. نصف قرن من احتراف الموسيقى
استضافت غاليري “مصطفى علي” في شارع الأمين وسط دمشق القديمة، المايسترو السوري العالمي نوري الرحيباني في أمسية حوارية بمناسبة بلوغه الثمانين عاماً، أمضى منها 50 عاماً كمحترف للموسيقى وقائد أوركسترا.
وكانت الأمسية رحلة في الزمن الذي عاشه الرحيباني بين ألمانيا حيث درس الموسيقى واحترفها، وسوريا وبلدان أخرى، حيث حمل رسالته وطاف بها، ولايزال.
رغم انتمائه لعائلة دمشقية، ولد الرحيباني عام 1939 في مدينة الحسكة وقام جده بتبديل اسم العائلة من المنّجد الى الرحيباني، تهرباً من حملات السفر برلك.
وبسبب عمل والده مصطفى الرحيباني في سلك القضاء، تنقلت العائلة بين عدد من المدن السورية، وكانت والدته من أصول تركية شركسية، تتقن لغات متعددة وتعزف البيانو، ما جعل الطفل نوري وأخوته يحظون برعاية خاصة.
تنقل الرحيباني في دراسته بين حمص واللاذقية ودمشق، وتلقى أولى علومه الموسيقية على يد أستاذه مصطفى كامل الصواف، كما تولع بالرسم منذ صغره.
وعن هذه المرحلة تحدث المايسترو “أستاذي الصواف كان أول من أدخل تعليم الموسيقى بشكل أكاديمي إلى سوريا، وكتب النوط الموسيقية وكان أثناء تدريسه يلاحظ من لديه استعداد أو نشاط للمتابعة وعن طريقه كان أول احتكاك لي مع الموسيقى الكلاسيكية”.
درس الرحيباني الحقوق في جامعة دمشق، بسبب عدم وجود معهد عالي للموسيقى في سوريا حينها، وكانت رغبته في دراسة الموسيقى في ألمانيا المعروفة بموسيقييها الكبار من أمثال باخ وبيتهوفن، وكان يعزف البيانو في قاعة الموسيقى في كلية الحقوق أنذاك.
وفي عام 1959 أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة للإيفاد فتقدم لها ونجح، حيث حصلت سوريا في تلك الفترة على أربعين منحة من جمهورية ألمانيا ومن ضمنها منحتان للموسيقى.
وهكذا أوفد الرحيباني إلى ألمانيا الديمقراطية لدراسة الموسيقى، فدرس البيانو وقواعد التلحين، وفي عام 1968 بدأ حياته المهنية كعازف مرافق وقائد ثان في مسرح مدينة فرايبورغ.
وبسبب كفاءته في قيادة الفرقة بعد مرض القائد الأساسي، كافأته الحكومة الألمانية بمنحة لدراسة قيادة الأوركسترا في “درسدن”.
وروى الرحيباني ” قمت حينها بالكتابة إلى بلدي واخبارهم بما أنجزت والمنحة التي حصلت عليها، فجاء الجواب بأن علي مغادرة ألمانيا خلال أسبوعين بسبب انتهاء بعثتي، وبواسطة من أحد الأصدقاء تم إحالتي للاستيداع فبقيت في ألمانيا .
وعام 1972 بدأ عمله كقائد أول للأوركسترا السيمفوني في مدينة رايشنباخ، وكانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية حينها لديها 83 دار اوبرا واوركسترا، وهو أكبر عدد في العالم.
وفي عام 1975 عاد إلى سوريا وتعين في المعهد العربي للموسيقى بإدارة صلحي الوادي، وعن هذه المرحلة يقول ” حاولت من خلال العمل مع مجموعة من الأطفال تطبيق طريقة كارل اورف للحصول على موسيقى مفرحة، وأسسنا فرقة من انجح التجارب واقامت العديد من الحفلات في سينما الحمرا ومسرح القباني”.
التقى المؤلف الموسيقي “كارل اورف” عام 1980، وأسس فرقة الطبل الناري للموسيقى الإيقاعية، كما ساهم في تأليف كتاب يحوي 60 أغنية للأطفال مع الباحثة التربوية اللبنانية جوليندا أبو النصر.
ووصفت إحدى تلميذاته خلال الأمسية، تجربة العمل معه في الفرقة خلال فترة السبعينات بأنها “كانت تجربة فريدة، وجديدة بالنسبة لمعظم الاطفال والذين أصبح عدد منهم عازفين مشهورين”.
وقدم المايسترو عدداً من المشاريع لوزارة الثقافة وكان حلمه بإنشاء معهد عالي للموسيقى وتأسيس فرقة سيمفونية وطنية لكنه لم يفلح في جهوده وطُلب منه نسيان الموضوع.
وبسبب مرافقته للتشكيلي الفلسطيني ابراهيم هزيم في السكن الجامعي في ألمانيا أهلته لإقامة معارض فردية في المانيا لعشر سنوات متتالية، حيث جمع الرحيباني في حياته بين الموسيقى والأدب والفن التشكيلي معتبراً أن “الرسومات تصدر موسيقى خاصة بها”.
وبعد تأسيس الفرقة السيمفونية الوطنية عام 1993، استدعي الرحيباني لأول مرة عام 2001 لقيادتها، ولم ينقطع عنها منذ ذلك الحين، حيث أحيا عددا من الحفلات في سوريا خلال سنوات الحرب، وكان من القلة الذين تحدوا الظروف الأمنية منذ 2011 حتى 2018، واستمر بزيارة بلده الأم.
كما وضع الموسيقى التصويرية لعدد من المسرحيات والأعمال السينمائية منها “يوميات مجنون” لفواز الساجر و”الأبطال يولدون مرتين” لصلاح دهني ونفذ العديد من التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية مع أوركسترا إذاعة برلين الكبيرة وفرقة الكورال التابعة لها.
وأشار الرحيباني إلى أن “ما لقيه من حفاوة في بلده شجعه على التراجع عن قرار الاعتزال ومتابعة تأليف الموسيقى”.
وكان المايسترو الرحيباني قدم مقطوعة المدن الميتة من تاريخ المدن المنسية في سوريا العام الماضي، وبيّن “حاولت أن أكتب التاريخ القديم موسيقياً”، مشيراً إلى أنه لديه عدة ألحان استلهمها من تدمر الذي حزن جداً عندما شاهد ما فعله الدواعش هناك.
يذكر أن المايسترو الرحيباني ألف عدداً من السيمفونيات أشهرها: “المدن الميتة”، “أنشودة السلام”، “نشيد العاصفة”، إلى جانب أغان ورقصات شعبية سيمفونية وصور موسيقية من الفلوكلور السوري.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر