جامعة دمشق من التأسيس والتعريب حتى الزمن الحاضر
تعد جامعة دمشق أكبر الجامعات الحكومية السورية وأقدمها، وتبوأت هذه الجامعة منذ المحاولات الأولى لتأسيسها مكانة إقليمية واسعة، وتخرج منها على مر السنين شخصيات لعبت فيما بعد أدواراً هامة لا يزال التاريخ يذكرها ويذكر أصحابها.
ويذكر أ.د عدنان تكريتي في كتاب “دمشق الشام عاصمة الثقافة العربية” الصادر عام 2008 عن هيئة الموسوعة العربية أن “جذور جامعة دمشق تمتد أولاً إلى “كلية الطب وأصول المستشفى الذي كان يتدرب فيه طلابها في عصر المماليك.
حيث كان في المدينة أربع مدارس للطب هي : الدخوارية، الربيعية، الدنيسرية، واللبودية، وكان أطباء هذه المدارس الطبية وتلاميذهم يشرفون على مرضى هذه المستشفيات”.
ويتابع الكاتب أنه “بعد ذلك أنشأ الوالي التركي حسين ناظم باشا أول مدرسة للطب تؤسس في دمشق وتدرس العلوم وفق الطرق الحديثة، وصدرت إدارة السلطان عبد الحميد الثاني في 27 أيلول 1901، بإنشائها باسم “مدرسة الحياة” التي سميت فيما بعد “بالمكتب الطبي” وافتتحت في 1903 وعين أساتذة لها من الاستانة لتدريس الطب”.
ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى 1914 نقلت المدرسة الطبية عام 1915 إلى بيروت، حيث بلغ عدد من تخرج بين دمشق وبيروت 240 طبيب و289 صيدلانياً.
وإلى جانب مدرسة الطب العثمانية في دمشق، افتتحت مدرسة للحقوق في بيروت تشرين الثاني 1913 وكانت لغة التدريس اللغة التركية مع بعض المواد بالعربية.
وباندلاع الحرب العالمية الأولى، نقلت من بيروت إلى دمشق وبانتهاء الحرب أعيدت إلى بيروت وتفرق أساتذتها وطلابها حين احتلال الجيشين الفرنسي والبريطاني لسوريا.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، ظهرت في دمشق فكرة إيجاد جامعة تدرس باللغة العربية، ودار الحديث عنها على ألسنة الطلاب الذين انقطعت دراستهم في مدرستي الطب والحقوق، بعد انسحاب الأتراك وإغلاق أبواب المدرستين.
ويعود الفضل الكبير وجود طبيب دمشقي آنذاك هو أحمد حمدي حمودة، الذي أقنع الأمير فيصل بضرورة إعادة فتح المدرسة الطبية، وأطلق عليها اسم “المدرسة الطبية العربية”، ثم “المعهد الطبي”، كما تقرر افتتاح “معهد للحقوق” تسلم إدارتهما رضا سعيد.
ويبين الدكتور تكريتي أنه “بعد توقف التدريس في اللغة العربية مدة 35 في بيروت والقاهرة، أعيد التدريس في المدرسة الطبية العربية رسمياً سنة 1919.
وكانت أول هيئة تعليمية فيها مكونة من عبد القادر الزهراء، سعيد السيوطي، أحمد راتب الصبان، أديب الجعفري، رضا سعيد، محمد صادق الطرابيشي، أحمد قدري ، حسام الدين أبو السعود، أمين الحلبي، حمدي أمين، خيري القباني، فيليب بركات، وغيرهم”.
وكان الطلاب العرب الذين بدأوا دراسة القانون في المدرسة العثمانية ولم يتموها بسبب إغلاقها طلبوا فتح معهد للحقوق، على غرار المعهد الطبي، ووافقت الحكومة، وافتتح المعهد الذي ترأسه عبد القادر المؤيد العظم، وخطب فيه نجيب الأرمنازي، عبد الرحمن الشهبندر، فارس الخوري، عيسى اسكندر.
وتألفت أول هيئة تعليمية لمعهد الحقوق من: سعيد مراد، ابراهيم هاشم، عارف النكدي، توفيق السويدي، عثمان سلطان، عارف الخطيب، يوسف روكس، سليمان جوخدار، عبد المحسن الأسطواني، مصباح كرم، فارس خوري، عبد القادر مغربي، كاظم الجزائري، وغيرهم.
ويشرح الكتاب أن “تعريب العلوم في الجامعة واجه عدة عقبات، أهمها أن فئة قليلة من الأساتذة الأوائل كانت تملك ناصية اللغة العربية لتلقيها دراسة خاصة أتاحت لها ذل.
أما الفئة الكبيرة منهم فقط كانت من الشباب الذين تعلموا باللغة التركية منذ فجر حياتهم، أخذوا على عاتقهم مشاركة زملائهم القلة في نشر رسالة التعريب وبذلوا لذلك جهوداً خيرة صادقة في تعلم العربية”.
ومع الاحتلال الفرنسي لسوريا سنة 1920، واجهت الجامعة صعوبات نجمت عن مضايقة بعض المسؤولين منهم وكان معظمهم يعتنقون مبادئ التيارات السياسية والفكرية كانت سائدة في بلادهم يومئذ.
وثمة مشكلة ثانية واجهتها الجامعة هي الاعتراف بشهاداتها، حيث مزقت فرنسا سوريا إلى أربع دويلات بعد معركة ميسلون مراكزها :دمشق، حلب، اللاذقية، والسويداء، ولم تعترف هذه الدويلات في البدء بشهادات الجامعة إلا دولة دمشق.
ولم تحل مشكلة الاعتراف حلا نهائياً في سوريا إلا بعد التئام الدويلات عام 1941، كما أن بعض الدول العربية الأخرى كفلسطين ومصر لم تعترف هي في البدء بشهادات دمشق.
واعترفت فلسطين بشهادة معهد الحقوق عام 1928، وانتظرت حتى أواخر الثلاثينيات حتى تعترف بشهادة الطب في حين أن حكومتي شرقي الأردن والعراق قبلتا شهادات دمشق كلها.
ويوضح د.تكريتي أنه “بالرغم من وحدة الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان، بقيت شهادتا الطب والصيدلة غير مسموح لحامليها بمزاولة مهنتهم في لبنان، أما مصر فقد قررت عام 1939 الاعتراف بشهادتي الطب والصيدلة والسماح لخريجيهما الاشتراك في فحص التعادل لكنه لم يشمل خريجي طب الاسنان”.
وعن سبب اختيار جامعة دمشق تدريس العلوم باللغة العربية، يقول الكتاب إن “دمشق ترى أن المرء لا يختار لغته لأنها قدرته المتصل بوجوده ومصيره، ومن اتخذ لغة غير لغته الأصل في التعليم كمن تنكر لأصوله وجذوره لأن اللغة من مقومات القومية والانتماء إلى الأمة وحافظة لتراثها وثقافتها”.
ونهضت الجامعة بعد الاستقلال السوري سنة 1946 نهضة علمية كبيرة، ولم تعد مقتصرة على معهدي الطب والحقوق بل أحدثت معاهد جديدة هي: الآداب والعلوم والتربية والشريعة.
حيث أنشئت كلية الآداب عام 1946، وسمي خالد شاتيلا عميداً لها، وكان الشيخ بهجت البيطار عضو المجمع العلمي العربي دعا إلى إنشاء كلية للآداب العربية وكلية للإلهيات (الشريعة) فأنشأ مدرسة “الآداب العليا” عام 1929 لكنها أغلقت عام 1933 كما ذكر.
وبقيت الجامعة من دون معهد للآداب حتى عام 1946 أما كلية التريبة فقد حظيت منذ نشأتها الأولى بجملة أساتذة أسبغوا عليها منذ البدء سوية علمية عالية كجميل صليبا، خالد شاتيلا، حكمة هاشم، وعادل العوا وغيرهم.
وتطورت كلية التربية تطوراً كبيراً باتجاه توسيع الاختصاصات وتنويعها، وفي عام 1946، اتخذ رئيس الجامعة آنذاك حسني سبح التدابير لتأسيس كلية الهندسة في حلب، وكلية العلوم في دمشق، وكان للعمداء الثلاثة الأوائل لكلية العلوم: توفيق المنجد، رفيق الفرا، وجيه القدسي الفضل الكبير في وضع الأسس العلمية للكلية وتأسيس مختلف فروعها.
وسعت كلية الشريعة منذ تأسيسها عام 1954 إلى تكوين شخصية الباحث العلمي المتجرد والمنفتح على الحياة العلمية والاجتماعية، وفي زمن الوحدة بين سوريا ومصر، أحدثت كلية الهندسة المدنية بموجب قرار عام 1959، لكنها لم تفتتح إلا في العام الدراسي 1961-1962.
ونشأت كلية الفنون الجميلة في البدء عام 1960-1961، بعد الوحدة وأصبح المعهد العالي للفنون الجميلة تابع لوزارة التعليم العالي، وجامعة دمشق، ومدة الدراسة فيه خمس سنوات، وخمسة أقسام هي : العمارة والفنون الزخرفية (الديكور)، التصوير، الحفر، النحت، وفي عام 1970 ألحق قسم العمارة بكلية الهندسة واختصت الكلية بفروع الفنون.
وتعود جذور كلية الصيدلة إلى بدء تأسيس الجامعة وكلية الطب إلى عام 1903، وبقيت حتى عام 1962 حينما انفصلت وأصبحت كلية مستقلة.
وبعد عام 1970، اتخذت الجامعة شكلها الحالي النهائي تقريباً وأنشئت فيها وحدات سكنية لإقامة الطلاب فيها، وأوليت الدراسات العليا عناية خاصة وخصت باهتمام بالغ بافتتاح عدد من دبلومات الدراسات العليا في اختصاصات مختلفة ودبلوم التأهيل.
كما افتتحت درجة الماجستير في معظم الاختصاصات ودرجة الدكتوراه في بعضها. وإلى جانب كل ذلك ظلت جامعة دمشق ملتزمة بمبدأ لم تحد عنه ، هو مبدأ صلاح اللغة العربية للتدريس في مختلف الاختصاصات تعزيزاً للدور القومي العربي الذي تنهض به.
ورفدت عدداً من الجامعات في الوطن العربي بعدد من أساتذتها إعارة أو ندباً أو زيارة وألف أساتذتها مئات من الكتب الجامعية باللغة العربية وضعت بين أيدي الطلاب ليجدوا فيها بغيتهم مما ييسر عليهم الدراسة، بحسب الموقع الرسمي للجامعة.
وفي سنوات الحرب الأخيرة تراجع تصنيف واعتبار جامعة دمشق، بحسب المقاييس الأكاديمية العالمية، حالها كحال الجامعات الحكومية والخاصة في سوريا، وبحسب دراسة نشرها مركز “مداد” للأبحاث، فإن أسباب تراجعها في المقاييس العالمية هو “إهمال البحث العلمي، الكم المتزايد للطلاب المؤدي إلى اختزال عملية التعلم باكتساب المعرفة”.
إضافة إلى ” الترهل الإداري والنظام الداخلي للجامعات، وعدم مواكبة التحولات الرقمية في التعليم العالي واستخدام تكنولوجيا المعلومات.
و احتلت جامعة دمشق المركز الأول على الصعيد المحلي، والمركز 3654 على المستوى العالمي، في الترتيب النصفي الأول لعام 2019، الصادر عن موقع “ويب ماتريكس” المختص بتصنيف الجامعات على المستوى العالمي، محققة تقدم ب 6000 مركز، بعدما احتلت في العام الماضي المركز 10902 عالمياً، والمركز السابع محليًا في العام الماضي.
تلفزيون الخبر