“المكدوس” .. ضيف ثقيل يحل لوقت قصير على مائدة السوريين هذا العام
يتداول أهل الساحل السوري مثلاً شعبياً في موسم الباذنجان الذي تكرهه الفتيات لارتباطه بتساقط الشعر لديهن، دون وجود دليل علمي على ارتباطهما، حيث يقول المثل: ” بموسم الباتنجانة ما بتجوع غير الكسلانة”، نظراً لإمكانية استخدام الباذنجان في عدد كبير من الأكلات المحببة في مقدمتها “المكدوس” .
على أن واقع الحال يقول: ليس “كسل” السيدة السورية ما يمنعها من استغلال موسم الباذنجان خاصة بالنسبة للمكدوس، فهي ليست “كسلانة” إنما “طفرانة”، نظراً لأسعار مكوناته الأخرى من زيت وجوز وفلفيلة وثوم.
سنة وراء سنة في الأزمة التي تعيشها سوريا، تحول المكدوس من “مونة” شتائية تحضّرها السيدات بكميات كبيرة تكفيها عام كامل، إلى “دوقة” جعلت المكدوس مقسماً إلى حصة منزلية صغيرة قد تكفي بضعة أشهر.
إضافة إلى حصة للطلاب والأبناء الذين يسكنون في محافظة أخرى بداعي العمل ولا يجدون الوقت دائماً للطبخ، وحصة هي الأصغر للمسافرين الذين لا ينفصل حنينهم إلى بلدهم عن تقليد “المكدوس” الذي يحمل رائحته.
وبرغم وجود أنواع متعددة من الباذنجان ونوعيات من الفليفلة مختلفة الجودة والسعر، كذلك وجود بعض التفاوت في الأسعار عموماً بين محافظة وأخرى، تبقى تكلفة إعداد المكدوس مرتفعة بالنسبة للسوري الذي بات يعيش يوماً بيومٍ بفعل تقلب الظروف الاقتصادية وسوءها في أغلب الأوقات.
في طرطوس، تتحدث أم حسن، وهي ربة منزل خمسينية، لتلفزيون الخبر عن أقل تكلفة ممكنة لإعداد الأكلة التي يطلبها الجميع، فتقول: ” كيلو باذنجان المكدوس بلغ سعره بين 125 و150 ليرة، وذلك تبعاً للمياه التي يسقى بها، حسب إدعاء البائعين”.
وتتابع أم حسن “وتتراوح أسعار الفليلفة غير المطحونة بين 235 و275، بينما لا يقل سعر الكيلو المطحون في أقل نوعياته جودة عن 2500 ليرة”.
وتفرّق أم حسن بين سعر الجوز بقشره والمقشور، حيث تباع الجوزة الواحدة في قرى الساحل ب 20 ليرة، وتحتاج السيدة إلى كمية كبيرة لتحضير كمية صغيرة من المكدوس، بينما يصل سعر الكيلو المقشور منه إلى ستة آلاف ليرة سورية”.
وتوضح أم حسن “وترتفع أسعار الثوم كذلك في موسم المكدوس، فالكيلو اليوم ب1200 ليرة، ويأتي الزيت الذي اعتدنا على استبداله في السنوات الأخيرة بالزيت النباتي أو المخلوط، نظراً لغلائه واحتياج المكدوس إلى كمية كبيرة منه”.
خيارات وحيل للحفاظ على الأكلة الشعبية تلجأ إليها الأسر السورية، فالكمية المصنوعة أصبحت أقل، ويمكن استبدال الجوز باللوز الأقل سعراً، إلى جانب صنع حشوة “مغشوشة” كما تصفها أم حسن، “فيها كتير فليفلة وكمية أقل جوز”.
ولا يتخيل كرم أن يمر موسم “المكدوس” دون أن يحمل معه قطرميزاً على الأقل إلى السكن الجامعي، فمهما بلغت تكلفته يبقى عنصراً رئيساً على مائدة الشاب الأعزب الذي لايزال طالباً وبعيداً عن أهله”، كما يعتبر كرم.
وللمغتربين نصيب من “المكدوس” حيث يحرصون على الحصول عليه مهما قلت الكمية، كما تحرص الأمهات ممن يستطعن إرساله إلى أولادها المغتربين، حتى “يخفف غربتهم بطعم منزلي سوري”، كما تصف سيدة على إحدى المجموعات في “فيسبوك”.
ختاماً، يمكن القول إن تردي الأوضاع المعيشية للسوريين جعل أفضل وأحب أكلاتهم، مطعّماً بالغصة والحسرة، وجعل “المكدوس” يصنف أكلة كمالية يمكن الاستغناء عنها، خاصة بتزامنه مع قدوم المدارس والشتاء ومتطلباتها الأكثر إلحاحاً.
تلفزيون الخبر