شخصيتا عرض “إجا”: “شو ما في اغتصاب؟!”
يقترب عرض “إجا” للمخرج “دانيال الخطيب” المأخوذ من الفصل الأول لنص “هيا اقتلني يا روحي” لـ”عزيز نيسين” من النكتة التي تحكي عن امرأة عجوز دخل إلى منزلها سارق شاب، فأحست به، لكنها تركته حتى نهب كامل بيتها، وعندما هَمَّ بالخروج، سألته بكامل غنجها “شو ما في اغتصاب؟!”.
وتأتي حيوية هذا العرض الذي استضافه غاليري زوايا بدعوة من جمعية “نحنا” الثقافية، من قدرة “حلا ونوس” (29 عاماً) و”يارا العلي” (25 عاماً)، في أول ظهور لهما على خشبة المسرح، على إقناعنا بأنهما عجوزتان الأولى “سيان” عمرها 68 سنة والثانية “ديها” عمرها 72، بكل ما يعنيه ذلك من تغيير في الحركة، وكيفية الحكي، ومن خلال استجابتهما العاطفية لمواقف مختلفة من الحزن والسعادة…
واستطاعت الممثلتان تحت إشراف المخرج دانيال الخطيب أن تطورا فهماً شاملاً وعميقاً لأداء شخصيتي العجوزتين، من خلال استخدام نوع من التحكم بالاستجابة لذاكرتيهما، ومخزونهما الذاتي عن عجائز الضيعة الطرطوسية تحديداً، وكيفية تحرير تلك الاستجابة وتطويعها في خدمة الشخصية.
يحكي العرض عن “سيان” التي تعيش وحيدة في قبو متواضع، إلى جانب جارتها “ديها”، منذ 15 عاماً، وفي اليوم الذي تحتفلان معاً بذكرى زواجها الخمسين تسمعان عبر الإذاعة والصحف خبراً يُحذِّر من شاب ثلاثيني يدخل إلى بيوت النساء، مُدَّعياً أنه موظف يريد الكشف عن ساعة الغاز في المنازل، وعندما يدخل بيتاً فيه امرأة لوحدها، يقوم باغتصابها ومن ثم خنقها.
والمفارقة أن “سيان” الأرملة منذ 23 سنة و”ديها” الأرملة منذ 27 سنة، ورغم أحاديثهما عن وفائهما لزوجيهما عقوداً من الزمن، واستذاكرهما لمواصفات زوجيهما، إلا أنهما تبدآن بالتخطيط للحظة مجيء المُجرِم، ووضع الاحتمالات لتلك الليلة، وكأن ذاك الخبر كان بمثابة فرصة لإعادة اختبار الشوق، وإنعاش لذاكرة الجسد المحروم، والمحموم بذكرياته.
وبين الماضي بأمجاده الزائفة، والحاضر بماكياجه الفاقع، تتواصل المكاشفات النفسية، وسبر أغوار مشاعر العجوزتين، بما فيها من كيديات ومفارقات، لنعرف أن كل منهما تخفي معرفتها بأكاذيب الأخرى، ضمن مصالحة إنسانية، واتفاق ضمني، يسمح لجماليات الكذب بالإشراق في حياتهما، لاسيما مع شراكتهما في أن كليهما “صاحبة نفس خضراء” بحسب المصطلح الشعبي.
ساعة من المتعة حققها هذا العرض، وعن سبب اختيار النص، قال المخرج دانيال الخطيب لتلفزيون الخبر: “أعمل منذ أربع سنوات على تخريج محترفين بفن التمثيل، وعند قراءتي لنص نيسين أحسست أنه يتيح لي الاشتغال بطريقة مختلفة عن النصوص الثمانية التي أنجزتها سابقاً، فبدأت أكتشف ثناياه، وأعتقد أنه علَّمني ببساطته وذكائه العالي، كيف أتعامل كمخرج مع الممثلتين بطلتا هذا العرض”.
وأضاف “الخطيب”: “رغم أنني لا أعمل ضمن ظروف مثالية، إلا أنني أعتبر أنني حققت غايتين من عرض “إجا”، الأولى هي تدريب الممثلتين على كيفية أداء شخصيتيهما، من الألف إلى الياء، وتتويج هذا الجهد بعرضه أمام الجمهور، والشي الثاني والمهم هو المتعة كشيء أساسي ضمن عملي بكل معانيها، فأنا أسعى إلى مسرحيات تسلِّي الناس، ولا تراكم هموماً إضافية على همومهم”.
استمر العمل على هذا العرض لأربعة أشهر ونصف، كما أخبرنا المخرج، وكان اللجوء إلى هذا النص بسبب عدد شخصياته القليل، لاسيما أن محترف دانيال الخطيب لا يتسع إلا لثلاثين مشاهد لا أكثر، وعند سؤالنا لماذا لم يتم التركيز على السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن العرض، قال “الخطيب”: “كنت أمنع نفسي باستمرار في الاشتغال على شيء أعمق من هذا، فما يهمني أولاً وأخيراً هو المتعة والممثل”.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر