بعد 11 عاماً على الغياب.. محمود درويش لِمَ تركت القضية وحيدة؟
عن محمود درويش روى كثيرون كما لم يروون عن غيره، ولمحمود درويش قرأ الكثير: المثقف ومحدود الثقافة والعابر للقراءات والطفل والكبير والكهل، لكن في حضرة غياب شاعر الأرض تعجز الأقلام عن الكتابة أكثر مما كتب وتتلكأ الألسن عن القول.
الشاعر الفلسطيني محمود درويش (شاعر الأرض) الذي تصادف يوم الثامن من شهر آب ذكرى وفاته، رحل عن عالمنا من دون أن يرحل عن أحاديثنا وما نقول وما نستشهد ونروي ونقرأ.
ولد الشاعر محمود درويش عام 1941 في قرية “البروة” المدمرة اليوم في الجليل، وطرد منها في السادسة من عمره واضطر للجوء إلى لبنان مع أسرته، وعندما عاد مع أهله إلى قريتهم تفاجأوا بتدميرها.
عاني درويش بطش قوات الاحتلال “الإسرائيلي”، وتم اعتقاله أكثر من مرة في الستينيات، ليسافر إلى القاهرة ويعمل كاتباً في جريدة الأهرام خلال الفترة من 1970 إلى 1972.
وعاش في بيروت تسع سنوات في الفترة من 1973 وحتى 1982، وهناك التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وترأس تحرير مجلة “شؤون فلسطينية” عام 1973، وأسس مجلة “الكرمل” الأدبية عام 1981.
واستقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاق أوسلو العام 1993، ثم سمحت له سلطات العدو “الإسرائيلي” بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية في العام 1996 حيث أقام في رام الله، ونشر آخر قصائده في 17 حزيران من عام وفاته منتقداً فيها التقاتل الفلسطيني.
أنتج دوريش 22 ديواناً شعرياً وله 11 كتاباً نثرياً، وترجمت أعماله إلى 22 لغة، وتقلد عشرات الأوسمة والنياشين والجوائز من دول كثيرة.
وحقق ديوانه “أوراق الزيتون” (1964) ثم “عاشق من فلسطين” (1966) نجاحاً كبيراً وذاع صيته كشاعر مقاومة وهو في مطلع العشرينات.
وتحولت قصيدته الشهيرة “بطاقة هوية” التي يخاطب فيها شرطياً “إسرائيلياً” صرخة تحدٍ جماعية للاحتلال “الاسرائيلي”، يقول فيها “سجل أنا عربي ورقم بطاقتي 50 الفاً” ما أدى إلى اعتقاله في العام 1967.
إذ لم يكن محمود درويش شاعراً فحسب، بل كان عاشقاً، ومحارباً، كان درويش أيقونة فلسطينية متكاملة للإنسان الحقيقي الثوري بكل ما تحمله حروف كلمة الإنسانية من معنى.
وهو الذي وجد نفسه صوتاً للجماعة وأصبح في الثاني والعشرين من عمره “شاعر مقاومة” لأنه أصدر ديوانيه “أوراق الزيتون” (1964) ثم “عاشق من فلسطين” (1966).
وظلت فلسطين عالقة بملامح وجه الشاعر وخطواته وقصائده حتى وإن كان يتحدث عن تجربة عشق أو حب، كانت الأرض دوماً مقرونة به وبقصائده وحبه أينما حل.
حيث ينظر كثيرون إلى قصائده الأولى على أنها صرخة صادقة ليست من شاعر فحسب، ولكن من إنسان يقف على أرض مضطربة ويدين حاله وحال أرضه وشعبه.
توفي درويش في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إجرائه لعملية القلب المفتوح في مركز “تكساس” الطبي، حيث دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش بناءً على توصيته، ودفن في قصر رام الله الثقافي الذي حمل اسمه بعد ذلك.
أما اليوم، فيجدر القول إنه لسوء حظ الإنسانية أن ليس هناك درويش ليواجه كل هذا الدمار بكلمات حبه وناره، محمود درويش الذي كان روحاً حرست القضية الفلسطينية ولعنت المترددين في حراستها.
روان السيد – تلفزيون الخبر