إن كنت تفكر بالانتحار: “مالك لحالك”
لا حلول في اليد، ولا أمل للبقاء، قرار إنهاء الحياة، حل دائم لمشاكل مؤقتة يدفع ملايين البشر سنوياً لاختياره، مخلفاً ورائه محبين مفجوعين، تتملكهم الحيرة في الإجابة على سؤال “لماذا؟!”، وندم على التقصير اتجاه آخرين لم تعرف همومهم المخيفة.
من هنا جاءت فكرة “الفريق السوري لمكافحة الانتحار”، الذي “يساعد على نشر الوعي حول الاكتئاب والأمراض النفسية والعقلية”، كما يعرّفه مؤسسه (الذي فضل عدم ذكر اسمه للحفاظ على سرية القائمين على التنظيم نظراً لحساسية المعلومات التي يتلقونها من الحالات التي تتواصل معهم).
ويهدف التنظيم إلى “مساعدة الأشخاص المقبلين على الانتحار من خلال استجابة آنية من قبل المتطوعين في التنظيم، والسماع لمشكلات المتصلين وردعهم عن الانتحار وفقاً لأسس علمية وطبية”.
ويقدم الفريق يد العون ولاسيما مع وجود نظرة اجتماعية سلبية للأطباء النفسيين والاخصائيين، واتهام زوارهم “بالجنون”، والتصرف “المعيب”، والخوف من “الفضيحة”، ومساعدة من يعلق من قبل هؤلاء بين “القيل والقال”، وبين المشاعر المختلطة التي تؤدي في النهاية “للانتحار”، دون الخضوع للعلاج المناسب والحصول على الاستطباب السليم، أو حتى التحدث إلى صديق يمد يد العون.
وذكر المؤسس، لتلفزيون الخبر أن “الحاجة لوجود مثل هذا التنظيم المتعارف عليه عالمياً، والذي يحمل من عبارة “مالك لحالك” شعاراً له، هو في أقصى درجاته اليوم في مجتمعنا، ويوماً تلو الآخر، نسمع قصصاً تروى تكسر القلب وتخلف جرحاً يلوي المحبين، وسط تقصير من كل الجهات لتقديم الدعم لهم”.
ويحاول الفريق من خلال نشاطه “كسر نمطية فكرة الخضوع للعلاج من الأمراض النفسية والعقلية أو الاستعانة بالمرشد النفسي لحل المشكلات أو الأزمات التي يتعرض لها الشخص”، لافتا إلى أن “الحديث مع شخص غريب يعطي الراحة، لاسيما إن كان مؤهل لتلقي مثل هذه المشكلات الحياتية المعقدة”.
ويؤكد الفريق على “سرية الحديث معه والكتمان الكامل على هوية المتواصلين معه، والمعلومات التي يتحدثون عنها، حيث أقسم المتطوعون البالغ عددهم 20 متطوع، على أداء المهمة التي يعتبرونها “غاية نبيلة”، بكامل الأخلاق التي يفرضها العمل في مجال مماثل”.
ويتكون الفريق من مجموعة من الشبان متنوعي الخلفيات العلمية والاجتماعية، يجمعهم تعرض معظمهم في حياته لحالة مشابهة ونجاته منها بعد تلقي المساعدة المناسبة، إضافة إلى وجود طبيب نفسي وأخصائيين ومرشدين نفسيين”.
ويتم التواصل مع الفريق عبر صفحتهم الرسمية على موقع “فيسبوك”، المسماة بـ “الفريق السوري لمكافحة الانتحار”، إلى حين تأمين الرقم الساخن، الذي يسمح بالتواصل الهاتفي المباشر في أي وقت، ويتبع التنظيم منهجاً يمسح فيه كل ما يرد إليه من معلومات بشكل ساعي حفاظاً على المعلومات والبيانات الخاصة القادمة من المتصلين، وبشكل مجاني تطوعي بالكامل.
وتابع المؤسس أن “الفريق يفاضل بين الحالات الأكثر خطورة لتتم متابعتها بشكل فوري ومباشر، ثم يتابع بقية الحالات بشكل تدريجي بحسب نسبة خطورتها”.
ويلفت المؤسس أنه “بالرغم من نشاط الفريق الذي لم يتجاوز الأسبوع الواحد، تلقى حوالي 80 حالة، من مختلف أطياف المجتمع السوري، ومن طبقات علمية مختلفة، واجتماعية متنوعة، مما ينفي تعلق المشاكل المذكورة سابقاً بفئة معينة، كما قال المؤسس إن “الفكرة العامة ترتبط بأن الطبقة المرتاحة مادياً هي من تصل مشكلاتها إلى الانتحار، بينما الواقع ينفي ذلك”.
وأشار مؤسس الفريق إلى أن “النسبة الأكبر من الحالات جاءت بسبب التفكك الأسري، وآثاره الكارثية على العائلة وأفرادها، إضافة إلى التعنيف، الزواج المبكر، والفقر، دون أن ننسى الحرب التي خلفت ورائها آثارها المدمرة وعقبتها، ومن فئات عمرية متباينة ما بين 14 حتى 60 عاماً كمثال”.
وأضاف المؤسس أن “الحالات المعقدة، يتم تحويلها إلى الأخصائي بعد تهدئة وضعها، حيث يؤكد التنظيم أن القائمين هم ليسوا أخصائيين في المجال النفسي، بل أشخاص خاضوا تجارب مماثلة، وبعد نجاتهم منها، أهّلوا أنفسهم من خلال ورشات تدريبية معترف فيها عن طريق “الانترنت”، تجعل الفرد مؤهلاً للإجابة على اتصالات قادمة من حالات تنوي الانتحار”.
ويحلم الفريق مستقبلاً “بتوسيع نشاطه من خلال إنشاء مركز مختص بالحالات المقبلة على الانتحار، والمشاكل والأمراض العقلية والفكرية، يمكن متابعتها بشكل مباشر عن زيارة المركز”.
الجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية تحصي سنوياً حوالي مليون حالة انتحار حول العالم، بسبب عدة عوامل مختلطة منها الاضطراب العقلي، الاكتئاب، الاضطرابات العصبية، مرضى السرطان، والمصابين “بالإيدز”.
وتشير إحصاءات المنظمة إلى أن “الانتحار من بين الأسباب الرئيسية الثلاثة للوفاة بين الشباب تحت سن 25، وهو يمثل 10%-20% من وفيات النساء حتى سنة واحدة بعد الولادة.”.
ويصل وسطي معدل الانتحار بالنسبة لبلدان إقليم شرق المتوسط إلى 4,90 لكل 100000 شخص، مقارنة مع 6,55 بالنسبة لجميع دول العالم.
لين السعدي – تلفزيون الخبر