صويلح: الرواية السورية في سنوات الحرب تعيش مخاضاتها المتنوعة
رغم صعوبة رسم تضاريس واضحة للمشهد الروائيّ السوريّ الذي أفرزته الحرب، إلا أن التخندق وراء المواقف السياسية هي السمة الأساسية، مما يُصعِّب مهمة النقد في فرز ما هو روائي محمول على رافعة جمالية، وما هو خطاب أيديولوجي صرف مضاد للمعمارية الروائية بحد ذاتها.
هذا ما أوضحه الروائي والناقد السوري “خليل صويلح” في دراسته “مخاض الرواية السورية في سنوات الحرب” الذي نشره مؤخراً “مركز دمشق للأبحاث والدراسات- مداد”، مبيناً أن الروايات التي صدرت في الخارج كانت أقرب إلى تصفية الحساب مع منظومة القيم الوطنية وبنبرة ثأرية، وتفتقد الصدقية كوثيقة جمالية أو بلاغية.
وبالمقابل وقعت الكثير من روايات الداخل في مطب الاصطفاف المضاد وتبرير مجريات الحرب باللجوء إلى الشعاراتية والهتاف العالي وتمجيد العنف، إلى جانب وجود نمط من الروايات اكتفت بسرد حكاية ما دون أن تتوغل بطبقات السرد الأخرى لجهة المعمار الروائي وتعدد الأصوات، بحيث يصنف كتابها بأنهم حكواتيون وليسوا روائيين.
يقول صويلح: “أن تعيش الحرب وجهاً لوجه، وتتوقع أن تموت في كل لحظة سيتطلب سرداً يواكب هذا الجنون، وهذه البلاغة في صناعة القتل، ونمو الوحش البشري على حساب آدميته. هذه التحولات تحتاج إلى معايشة مباشرة، وإعادة إعمار تخييلية؛ فالمسألة ليست بامتلاك حكاية عن الحرب، إنما في كيفية تركيبها كرواية وتفكيك مفاصلها وتزييت عجلاتها بصرف النظر عن محتواها”.
ويضيف صاحب “وراق الحب”: “من المؤكد أن أي رسالة لا قيمة لها، في الرواية، إذا لم تكن محمولة على بنية فنية، تسعى إلى تجديد الكتابة الروائية نفسها. وهذا يعني أن على الروائي أن يبحث عن وسائل التلقي الفنية القادرة على جعل الرسالة في روايته مرشحة للحياة”.
نصّ الحرب بالنسبة للروائي السوريّ اليوم، كما جاء في دراسة صويلح “سيبقى وشما في الجبين لحقبة طويلة، نظراً للمخزون الثقيل الذي خلفته هذه الحرب على الأجساد والأرواح معاً. على منوال مخلفات الحرب سنقع على نصوص مشابهة، بعكاز، أو ذراع مبتورة، أو حالة عمى مؤقت”.
ويعدد صاحب “جنة البرابرة” مجموعة من الأعمال الروائية السورية مع شهادات لأصحابها عن تجربتهم في “سرديات الحرب” من مثل “جداريات الشام- نمنوما” و”ليل العالم” لنبيل سليمان، و”سماء قريبة من بيتنا”، و”صيف مع العدو” لشهلا العجيلي، إلى جانب رواية “كتاب دمشق” لهزوان الوز، و”أرواح صخرة العسل” لممدوح عزام، و”حقول الذرة” لسومر شحادة، و”وادي قنديل” لنسرين خوري.
كما يقدم “صويلح” توصيفاً لمغامرتيه الروائيتين “جنة البرابرة” و”اختبار الندم”، الأولى المشغولة بالمشهد الخارجي للحرب، والثانية التي ذهبت لفحص الطعنات الداخلية للشخوص والندوب العميقة في الأرواح المهزومة، كمحاولة لترميم العطب، أو فضح أحوال الجسد، ومعنى العار، جنباً إلى جنب مع فحص اللغة نفسها وضرورة تقشيرها من فائض البلاغة الجوفاء والانتهاك الإنشائي.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر