النحات “جميل قاشا” يستنطق الحجر
يستنطق النحات “جميل قاشا” الحجر ضمن معرضه المُقام في صالة “تجليات”، مُعزِّزاً رؤيته الخاصة عن العلاقة مع هذه الخامة على اختلاف أنواعها من البازلت إلى الصخور الجبلية إلى الحصى، مُحققاً في تعاطيه الفطري معها جماليات فريدة من حيث التكوين والمَلْمَس والتعشيق مع المواد الأخرى.
ويرى الفنان “قاشا” أن خصوصية علاقته بالحجر تعود إلى زمن طويل بحيث لا يمكنه الاشتغال على أي قطعة منه ما لم يعشقها، وبعدها يعمل على إعادة تشكيلها، وتكثيف دلالاتها البصرية، للوصول إلى النتيجة التي يريدها.
المعرض الذي حمل عنوان “من الكينونة إلى الصيرورة” وكان مهدىً للمفكر العربي “عبد الرحمن منيف” ضمّ الكثير من الأعمال المُدهشة والتي شكَّلت بالنسبة للمُتابعين والنُّقاد حافزاً للحديث عن هذه المنحوتات لما تملكه من فرادة في التعامل مع الحجر وتشكيلاته التي تستعصي إلا على فنان من رتبة “قاشا”.
يقول الشاعر والفنان التشكيلي “منذر المصري”: “جميل قاشا كاهن الطبيعة، المشعوذ الذي يجوب وحيداً ضفاف الأنهار ومجاريها الجافّة، وينحني نابشاً بأصابعه المكتنزة تراب التلال والحقول المحيطة، ملتقطاً صخوراً جوفيّة متصلّبة، قد تبدو لغيره مجرد حجارة لا تستحق حتى النظر، إلّا أنّه يستطيع بعينه السحريّة أن ينفذ إلى ما يكمن في داخلها، وما ينبض صامتاً في رحمها”.
ويضيف “المصري”: “أجساد نساء مطويّة حول نفسها بشكل حلزوني، رؤوس ملوك غابرين بلحى مذهّبة وتيجان وعقود مزينة بحلى وأصداف. غزلان بقوائم ملتوية، أسماك بسطوح مصقولة، سحال بظهور مرصعة بالجواهر وأذناب معقوفة، وثيران كأنها بكتلتها واعتدادها بقوتها، أكثر ما يلائم قسوة الصخر وصلابته”.
الحجر حين يحتفظ بذاكرة المكان هو ما يمكن تلمسه في أعمال “قاشا” التي كتب عنها الناقد “سعد القاسم”: “وجد جميل في الحجر ما يستجيب لخياله الجامح نحو الأساطير الشرقية وحكايات ألف ليلة. ففي ألوانها الغنية وملمسها الذي صقلته حركة الماء الأبدية ما يجعل منها مصاغ أحلامه ورؤاه التي تعدت المألوف فأدهشت وأمتعت، وأغرت كثيرين بالكتابة عنها”.
وعن تلقِّي هذه المنحوتات يقول “القاسم”: “في اللحظة الأولى لالتقاء العين بهذه الأعمال النحتية تَنْبُت الدهشة، تخلقها المادة التي استخدمت، وطريقة المعالجة التي اتبعت ومحصلتهما منحوتات شديدة الإتقان وشديدة الإبهار أيضاً”.
أما عن عنوان المعرض فتحدَّث الناقد “عمار حسن” أن “التحول الأهم في كينونة الحجر حدث حين وقعت عليه عينا النحات “قاشا”، فهي لحظة حاسمة في سيرورة المادة، هي لحظة التقاء وحوار الوعي والرؤية مع المادة، وعي النحات وطاقة الحجر الكامنة”.
ويضيف الناقد “حسن”: “تلك الصورة الكامنة هي إشارات تلقاها النحات من خلال شكل الحجر، وخامته اللونية، وغيرها، هنا تتحول الرؤية إلى وعي يجمع بين حدس الصورة وتلقي طاقتها، ليكون الوعي والطاقة متجسدين في العمل النحتي، وهو ما نسميه الصيرورة، أي أن العمل صار على هذه الصورة عند انتهاء النحات من لمسته الأخيرة”.
يذكر أن الفنان “قاشا” من مواليد جسر الشغور عام 1958، وهو خريج كلية الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1982 وله العديد من المعارض داخل سوريا وخارجها، وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر