العناوين الرئيسيةسياسة

ما هو مؤتمر الحوار الوطني.. وما أبرز العقبات التي تواجهه ومقومات نجاحه؟

يمثّل مؤتمر الحوار الوطني بعد سقوط نظام الرئيس الفار بشار الأسد في كانون الثاني 2024، فرصة حقيقية للسوريين لرسم مستقبلهم وبناء دولة تستند إلى العدالة والمساواة، إذ تواجه سوريا تحديات جمة في إعادة بناء الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية، على أن يقترن ذلك بتوحيد الجهود المحلية والدولية لتغليب المصلحة الوطنية على مصلحة فئوية ضيّقة.

 

وأعلنت الإدارة السورية الجديدة نيتها تنظيم مؤتمر حوار وطني شامل في دمشق، يهدف إلى تشكيل مجلس استشاري يُمنح الصفة التشريعية ويشرف على الحكومة الجديدة.

 

وجرى تشكيل لجنة تحضيرية، تلتها جلسات في مختلف المحافظات السورية للتحضير لهذا المؤتمر، شهدت عدة مشكلات أبرزها تنظيمية أرجعها ناشطون للسرعة وضيق والوقت.

 

ونقل “تلفزيون سوريا” عن مصادر خاصة أن “موعداً أولياً للمؤتمر حُدد يومي 24 و 25 شباط الجاري، إذ سيُخصص اليوم الأول للتعارف، بينما يُناقش المشاركون في اليوم الثاني ست قضايا محورية”.

 

وذكرت المصادر أن “عدد المدعوين سيبلغ نحو 600 شخصاً من مختلف المحافظات السورية، سيُقسمون إلى ست مجموعات تبحث ملفات العدالة الانتقالية، البناء الدستوري، بناء المؤسسات، قضايا الحريات الشخصية، الحياة الإنسانية، ودور منظمات المجتمع المدني والمبادئ الاقتصادية”.

 

وقال المتحدث باسم لجنة الحوار الوطني السوري، حسن الدغيم، في وقتٍ سابق، إن “المؤتمر سيركّز على ملفات الاقتصاد، العدالة الانتقالية، صياغة الدستور، والإصلاح المؤسسي، إلى جانب بحث علاقة السلطات بالمواطنين”.

 

وشدد “الدغيم” على أن “نتائج الحوار لن تكون شكلية رغم أنها غير ملزمة، لكنها ستُقدَّم كتوصيات يعتمد عليها رئيس الجمهورية في اتخاذ قراراته”.

 

ومؤتمر الحوار الوطني في سوريا، يأتي في إطار البحث عن آليات تعيد بناء العقد الاجتماعي وتُرسخ الاستقرار، إذ يُعدّ الحوار الوطني أحد أبرز الأدوات التي تلجأ إليها المجتمعات لتجاوز الانقسامات.

 

ويُتيح الحوار الوطني للأطراف جميعها والقوى السياسية والاجتماعية فرصة للتفاوض حول مستقبل مشترك، بعيداً عن العنف، لكن نجاح هذا المسار يتطلب بيئة داعمة، وتوافقاً على أسس الحوار وأهدافه.

 

مفهوم الحوار الوطني

 

الحوار الوطني هو عملية سياسية شاملة تجمع ممثلين عن مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة، بهدف التفاوض حول قضايا جوهرية تمس حاضر ومستقبل البلاد.

 

ويهدف الحوار إلى معالجة أسباب النزاع، بناء توافق حول الإصلاحات الضرورية، ووضع أسس جديدة للحكم الرشيد وسيادة القانون.

 

وتشير الأمم المتحدة إلى أن الحوارات الوطنية الناجحة تتسم بالشمولية، إذ تُتيح لجميع الفاعلين المشاركة، بغض النظر عن حجمهم أو نفوذهم، ويُفترض أن يضمن الحوار تكافؤ الفرص بين القوى، بحيث لا يُهيمن طرف على الآخر، ممّا يعزز فرص الوصول إلى حلول عادلة ومستدامة.

 

أهمية مؤتمر الحوار الوطني في دول ما بعد النزاع

 

تلعب مؤتمرات الحوار الوطني دوراً حاسماً في إعادة بناء الدول التي عانت من النزاعات، للأسباب التالية:

 

تعزيز الشرعية السياسية: يوفر الحوار منصة لإعادة تشكيل الشرعية السياسية من خلال توافق وطني واسع، بعيداً عن منطق القوة العسكرية.

 

بناء الثقة بين الأطراف: يساهم الحوار في كسر جدران العداء وتعزيز الثقة التدريجية بين القوى المتصارعة، مما يُمهّد لسلام دائم.

 

صياغة عقد اجتماعي جديد: يسمح الحوار بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وصياغة دساتير أو اتفاقيات جديدة تُعبّر عن مصالح مختلف المكونات.

 

معالجة المظالم التاريخية: يُتيح الحوار فرصة لمناقشة جذور النزاع، بما في ذلك التهميش السياسي أو الاقتصادي، بهدف إيجاد حلول عادلة.

 

تعزيز الوحدة الوطنية: يساهم الحوار في خلق شعور بالانتماء الوطني، إذ يشارك المواطنون، عبر ممثليهم، في رسم مستقبلهم.

 

العقبات التي تواجه الحوارات الوطنية

 

رغم أهمية الحوارات الوطنية، إلّا أن كثيراً منها يواجه عقبات تحول دون تحقيق أهدافه، ومن أبرز التحديات:

 

انعدام الثقة بين الأطراف: في الدول الخارجة من الحرب، يكون من الصعب بناء ثقة كافية بين الأطراف المتصارعة للجلوس على طاولة واحدة بحسن نية.

 

تدخلات خارجية: في بعض الحالات، تتدخل أطراف إقليمية ودولية لدعم طرف على حساب آخر، مما يُعقد عملية الحوار.

 

غياب الشمولية: فشل بعض الحوارات في تمثيل جميع المكونات المجتمعية يؤدي إلى إقصاء فئات هامة، ما يُضعف شرعية المخرجات.

 

التفاوت في موازين القوى: إذا كان طرف يسيطر عسكرياً أو اقتصادياً، فقد يحاول فرض رؤيته بدلاً من التفاوض بحسن نية.

 

الافتقار إلى الإرادة السياسية: دون التزام حقيقي من القادة السياسيين بإنجاح الحوار، تصبح العملية مجرد إجراء شكلي لتهدئة الضغوط الدولية.

 

مقومات ومحددات نجاح الحوارات الوطنية

 

لضمان نجاح الحوار الوطني، يجب توفر مجموعة من المقومات، منها، التمثيل العادل والشامل، الحياد في تنظيم الحوار، وجود أجندة واضحة، التوافق على آليات التنفيذ، والدعم الإقليمي والدولي.

 

تجارب دولية ناجحة وأُخرى متعثرة

 

تونس (2013): تُعد من أبرز التجارب الناجحة، إذ ساهم “الحوار الوطني” الذي رعته الرباعية التونسية في تجنيب البلاد الانزلاق للعنف، وأدى إلى إقرار دستور توافقي وانتخابات نزيهة، ما أكسب القائمين عليه جائزة نوبل للسلام عام 2015.

 

اليمن (2013-2014): رغم إطلاق “مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، إلا أن غياب الثقة، ورفض بعض الأطراف تنفيذ مخرجات الحوار، ساهم في انهيار العملية السياسية وعودة النزاع المسلح.

 

جنوب إفريقيا (1990-1994): تجربة فريدة نجحت في تفكيك نظام الفصل العنصري، بفضل التزام نيلسون مانديلا ودي كليرك بالحوار كخيار استراتيجي، رغم صعوبة المرحلة الانتقالية.

 

السودان (2014-2016): شهدت البلاد تجربة حوار وطني واسعة، لكن غياب قوى معارضة رئيسية عن الحوار، وعدم تنفيذ التوصيات، أدى إلى تراجع النتائج.

 

ومن أبرز العقبات التي تواجه المؤتمر السوري هي التحديات المتعلقة بالتحضير والشمولية والتمثيل، مما يثير تساؤلات حول قدرة المؤتمر على تحقيق توافق وطني شامل، فضلاً عن انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة نتيجة سنوات الصراع الطويلة.

 

ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، تتزايد التساؤلات حول مدى قدرة هذا المؤتمر على إحداث اختراق حقيقي في الأزمة السورية، أم أنه قد يتحول إلى نسخة جديدة من “مؤتمر صحارى” الذي عُقد عام 2011.

 

ووُصِف حينها بكونه محاولة غير جدية من النظام السوري لامتصاص الاحتجاجات، وقوبل برفض من المعارضة التي اعتبرته مجرد إجراء شكلي يفتقر إلى الجدية، خصوصاً في ظل استمرار القمع الميداني، لتعلو أصوات بعد سنوات تقول إنه ربما كان يشكّل فرصة يُمكن لنجاحها لو حصل، تجنيب البلاد الانزلاق في دوامة العنف التي استمرت فيها لسنوات.

 

اليوم، ورغم تغيّر الخارطة السياسية في سوريا، لا تزال تحديات الحوار قائمة، إذ أبدت أطراف عدة مخاوفها من أن يُستخدم المؤتمر كأداة لشراء الوقت أو تحسين صورة السلطة أمام المجتمع الدولي، دون التزام فعلي بتنفيذ مخرجات الحوار.

 

هذا التخوّف تعززه مؤشرات مثل غياب الشفافية والسرعة في التحضير للجلسات وعدم وضوح الآليات، وغياب ضمانات حقيقية لتنفيذ التوصيات التي ستصدر عن المؤتمر.

 

في هذا السياق، يحذر نشطاء من أن تكرار سيناريو “صحارى” سيُبدد فرصة نادرة لوضع سوريا على طريق التعافي، وأن نجاح المؤتمر يتطلب إرادة سياسية صادقة، وتمثيلاً شاملاً لجميع الأطراف، إلى جانب التزام حقيقي بإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة، حتى لا تتحول هذه الفرصة إلى محطة جديدة من محطات التعثر السياسي.

 

يُذكر أنه ورغم التعقيدات التي تحيط بمؤتمرات الحوار الوطني، إلا أنها تظل أداة لا غنى عنها لبناء السلام المستدام في الدول الخارجة من النزاع.

 

فالبديل عنها هو استمرار حالة الجمود أو العودة إلى العنف، ونجاح الحوار الوطني يعتمد بالدرجة الأولى على الإرادة السياسية، ووعي القوى المجتمعية بأن مصلحة الوطن تسبق المصالح الفئوية.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى