حراك واسع واندماجات في صفوف المجتمع المدني السوري

لطالما حظيت المجتمعات المتقدمة بمساحة واسعة للحراك المدني، نظراً لدوره المحوري في تعزيز الوعي المجتمعي، وحماية الحقوق، وترسيخ مبادئ الشفافية والاستقلالية. ويكتسب هذا الدور أهمية مضاعفة في الدول التي تمر بظروف استثنائية كالحروب والثورات، حيث يصبح المجتمع المدني ضرورة لا ترفاً، لكونه الجسر الذي يربط المواطنين ببعضهم البعض، ويعمّق الإحساس بالانتماء الوطني، كما يسهم في ضبط العلاقة بين الشعب والسلطة، ويؤدي دوراً رقابياً يضمن توافق الأداء الحكومي مع تطلعات المواطنين.
في سوريا، وبعد سنوات من التهميش والتضييق، شهدت مؤسسات المجتمع المدني نمواً نسبياً عقب سقوط نظام بشار الأسد، حيث بادرت منظمات وأفراد إلى تفعيل دورهم في تقريب وجهات النظر، وتعزيز ثقافة المواطنة، ورفع الوعي بالحقوق المدنية.
وفي الأيام الأخيرة، تصاعدت وتيرة الحراك المدني، مع اندماج عدد من المنظمات والجمعيات الأهلية والمدنية في كيانات موحدة، إلى جانب انطلاق مبادرات جديدة على الأرض، وتنظيم مؤتمرات شبابية تهدف إلى دعم الحوار وتعزيز التماسك المجتمعي.
وبرزت عدة جهات فاعلة ضمن المشهد المدني السوري مؤخرا، والتي تعمل تحت مظلة المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، سعياً لإحداث تغيير إيجابي على مستوى المجتمع ككل.
حملة “الشعب السوري واحد”
أطلقت مجموعة من المنظمات والجمعيات الأهلية حملة تحت اسم “الشعب السوري واحد” عبر منصة “فيسبوك”، حيث تضم أكثر من 40 منظمة وفريقاً تطوعياً وشركة خاصة.
وعرّفت الحملة نفسها عبر صفحتها الرسمية بأنها مبادرة وطنية يقودها المجتمع المدني السوري، وتهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية واحترام التنوع، ضمن هوية سورية جامعة، تقوم على مبادئ العدالة والتعاون.
وجاء في بيان القائمين على الحملة: “بعد عقود من التضحية والمعاناة، آن الأوان لاستعادة نسيجنا المجتمعي، وإعادة بناء وطن يتّسع للجميع. نسعى لأن نكون صوت الوحدة والتضامن، ومنبراً لمناهضة الظلم والانقسام، وصولاً إلى سوريا العادلة والقوية، التي تستثمر في تنوعها كقوة ونقطة ارتكاز، لا كمصدر ضعف أو انقسام”.
تجمع القوى الوطنية (قوس)
وجّه الداعون إلى تجمع “قوس” نداءً عبر “فيسبوك”، دعوا خلاله إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي، وصياغة عقد اجتماعي جديد يتجاوز أخطاء الماضي، ويؤسس لمصالحة وطنية تفضي إلى تحقيق السلم الأهلي.
وأشار بيان التجمع إلى أن القوى المنضوية تحته تهدف إلى تشكيل تحالف وطني يضم أطرافاً سياسية، ومدنية، واقتصادية، وروحية، بهدف الحد من الفوضى، والمساهمة في بناء الدولة، بالتعاون مع الحكومة الانتقالية والجهات المعنية، لضمان التشاركية في صنع القرار ومنع احتكار العمل السياسي.
مؤتمر الشباب والشابات السوري
في سياق دعم مشاركة الشباب في الحياة السياسية والمجتمعية، نظّمت “وحدة تمكين المجتمع المدني”، بالتعاون مع منظمة “دور لبناء السلام” وعدد من الشركاء المحليين، وبرعاية الاتحاد الأوروبي، “مؤتمر الشباب والشابات السوري”.
وجاء المؤتمر ثمرة شهور من الحوار بين أكثر من 800 شاب وشابة من مختلف المحافظات، حيث أتاح لهم فرصة تقديم توصيات حول قضايا الأمن والسلام، والتعليم، وفرص العمل، والمشاركة السياسية، وذلك بناءً على جلسات حوارية واستطلاعات رأي إلكترونية.
تيار “فكرة”
في 15 كانون الأول الماضي، أُعلن عن تأسيس تيار “فكرة”، الذي يسعى، وفق بيانه الأول، إلى استقطاب جميع القوى الوطنية من مختلف الطوائف والمناطق والانتماءات، للعمل المشترك على بناء دولة مدنية خالية من الفساد والإرهاب، وتعتمد سياسة الانفتاح على القوى الإقليمية والدولية.
وفي منشور له على “فيسبوك”، أعلن بدران عن فتح باب الانتساب للتيار، مشيراً إلى أن عدد المنتسبين تجاوز الألفين خلال الساعات الثلاث الأولى من إطلاق الحملة.
يأتي هذا الحراك المدني في وقت يشهد المشهد السياسي السوري تطورات متسارعة، تزامناً مع إعلان الإدارة الجديدة تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري.
وضمّت اللجنة سيدتين، هند قبوات وهدى أتاسي، إلى جانب خمسة رجال محسوبين على الإدارة الجديدة، ما أثار نقاشاً حول مدى تمثيلها لمختلف مكونات المجتمع السوري، ومدى التزامها بمبدأ التشاركية في اتخاذ القرارات المصيرية.
تبقى أهمية تفعيل المجتمع المدني في سوريا اليوم في قدرته على تجاوز الحدود الجغرافية والانقسامات الطائفية والسياسية، بما يسهم في تحقيق السلم الأهلي، وترسيخ العدالة الانتقالية، والدفع بالبلاد نحو مستقبل أكثر استقراراً.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر