العناوين الرئيسيةمجتمع

مسؤولية الصحافة.. كيف تعزّز السلم الأهلي وتبني السلام؟ 

تلعب الصحافة دوراً محورياً في تشكيل الوعي المجتمعي وتوجيه الرأي العام، الأمر الذي يجعلها أداة فاعلة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وبناء السلام، ومع تصاعد النزاعات في العديد من المجتمعات تزداد الحاجة إلى التغطية الإعلامية المسؤولة التي تعزز السلم الأهلي وتحد من خطاب الكراهية والانقسام.

 

وفي هذا السياق تتحمّل المؤسسات الإعلامية والصحفيون مسؤولية كبيرة في نقل المعلومات بحياد وموضوعية مع التحقق من دقتها والالتزام بأخلاقيات المهنة التي تضع المصلحة العامة فوق أي اعتبارات أخرى.

 

الصحافة كأداة لتعزيز السلم الأهلي

 

دور الإعلام في تخفيف حدة النزاعات

 

تعتبر وسائل الإعلام سلاحاً ذا حدين فهي إما أن تكون عاملاً مساعداً في تهدئة النزاعات أو وقوداً لتأجيجها فعندما يلتزم الصحفيون بالمعايير المهنية والأخلاقية يمكن أن تساهم التغطية الإعلامية في الحد من التوترات من خلال التركيز على القواسم المشتركة بين الأطراف المختلفة وإبراز الحلول بدلاً من تأجيج الصراع.

 

وتشير الدراسات الأكاديمية إلى أن “الإعلام البنّاء” يعزّز الحوار بين الأطراف المتنازعة ويسلّط الضوء على مبادرات المصالحة، وهذا يتطلب من الصحفيين تبنّي نهج يتجاوز مجرد نقل الأخبار إلى تحليل السياقات الاجتماعية والسياسية للنزاعات، وإبراز الأصوات التي تدعو إلى الحوار والسلام.

 

مواجهة خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي

 

تُعدّ الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية من أكبر التحديات التي تواجه الصحافة في سياق بناء السلام، فوفقاً لدراسات علمية يساهم انتشار المعلومات المغلوطة في تأجيج الصراعات وزيادة الاستقطاب الاجتماعي.

 

ويتوجب على الصحفيين توخي الدقة في نقل الأخبار والتحقق من مصادرهم باستخدام تقنيات التحقق الرقمي والأدوات الحديثة لمكافحة المعلومات المضللة.

 

ويمكن لوسائل الإعلام تبني استراتيجيات لمكافحة خطاب الكراهية من خلال استخدام لغة محايدة وتقديم تغطية متوازنة وإعطاء مساحة للأطراف كافة للتعبير عن آرائها دون تحيّز.

 

الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي

 

الحياد والموضوعية أساس الصحافة المسؤولة

 

تُعدّ الحياد والموضوعية من القيم الجوهرية التي يجب أن يلتزم بها الصحفيون خصوصاً في البيئات المتوترة، فالتحيز في التغطية الصحفية قد يؤدي إلى تصعيد النزاعات وإضعاف ثقة الجمهور بوسائل الإعلام.

 

وتؤكد الأدبيات الصحفية أن الحياد لا يعني تقديم كل وجهات النظر بالتساوي فحسب بل يشمل أيضاً تقديم المعلومات بدقة ودون تحريف أو انتقائية تخدم أجندات معينة.

 

ولتحقيق ذلك يجب على الصحفيين اتباع تقنيات مثل التحقق من صحة المعلومات عبر مصادر موثوقة ومتعددة، واستخدام لغة محايدة، والابتعاد عن المصطلحات التي تحمل دلالات تحريضية، وتجنب نقل الأخبار العاجلة دون تدقيق خاصة في حالات الأزمات.

 

المسؤولية الاجتماعية للصحفيين

 

إلى جانب الالتزام بالموضوعية فإن الصحفيين يحملون مسؤولية اجتماعية تتمثل في تعزيز قيم التسامح والتماسك المجتمعي، ويشير علم اجتماع الإعلام إلى أن الصحافة يمكن أن تلعب دوراً في بناء السلم الأهلي عبر تقديم محتوى يعزز الوعي بالمشتركات الثقافية والاجتماعية بين الجماعات المختلفة.

 

ويمكن تحقيق ذلك من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح والمبادرات التي تعزز المصالحة الاجتماعية، واستضافة خبراء في فض النزاعات لمناقشة الحلول الممكنة بدلاً من تضخيم الخلافات، وتقديم تغطية إعلامية تشجّع على التفاعل البنّاء عوضاً عن التحريض والانقسام.

 

التحقق من دقة المعلومات ومكافحة التضليل

 

للتحقق من المعلومات في الصحافة الحديثة أهمية كبرى، فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار أصبحت المعلومات المغلوطة تمثل تهديداً حقيقياً للسلام المجتمعي، فالأخبار الكاذبة تنتشر أسرع من الأخبار الحقيقية مما يجعل مهمة الصحفيين أكثر تعقيداً.

 

لذلك يعد التحقق من المعلومات أمراً ضرورياً، ويمكن للصحفيين استخدام الأدوات الحديثة مثل منصة Google Fact Check Explorer للتحقق من صحة الأخبار، وموقع Snopes لرصد الإشاعات والمعلومات المغلوطة، أو أدوات التحقق من الصور والفيديوهات مثل TinEye و Google Reverse Image Search.

 

التعامل مع المعلومات في أوقات الأزمات

 

خلال الأزمات يكون الجمهور أكثر عرضة لتصديق الأخبار المضللة بسبب التوتر والقلق، وهنا تبرز أهمية الصحافة الاستقصائية في تقديم روايات دقيقة تعتمد على البحث العميق والتحليل الموضوعي.

 

وينصح الخبراء الصحفيون في مثل هذه الحالات بالتحقق من الأخبار عبر مصادر رسمية متعددة قبل نشرها، والإشارة إلى الشائعات والمعلومات غير الدقيقة وتفنيدها بأسلوب علمي، ونشر معلومات موثوقة تساعد المواطنين على اتخاذ قرارات مدروسة.

 

الصحافة جسر للحوار والتفاهم

 

للإعلام دور فاعل في بناء الجسور بين الفئات المختلفة، وفي المجتمعات المنقسمة يمكن للإعلام أن يعمل كجسر للتواصل بين المجموعات المختلفة، وذلك من خلال تقديم منصات للحوار وتشجيع النقاشات البناءة حول القضايا الخلافية.

 

ويمكن للصحافة أن تلعب دور الوسيط في النزاعات عبر تقديم روايات تتبنى منظوراً إنسانياً وتسلط الضوء على تجارب الأفراد من مختلف الأطراف.

 

تعزيز الإعلام المجتمعي كأداة لبناء السلام

 

الإعلام المجتمعي الذي يعتمد على مشاركة الجمهور يمكن أن يكون أداة فعالة في تعزيز التماسك الاجتماعي فمن خلال توفير منصات للأصوات المحلية يمكن للمجتمعات التعبير عن احتياجاتها وهمومها ما يسهم في تقليل الشعور بالتهميش وتعزيز الانتماء.

 

وتشير الدراسات إلى أن الصحافة التشاركية تعزز ثقة المواطنين بالإعلام مما يساعد في الحد من انتشار الأخبار الكاذبة ويعزز روح المواطنة الفاعلة.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى