العناوين الرئيسيةمحليات

بين البسطة والبسطة بسطة.. شوارع وساحات سوريا تتحوّل إلى بسطة كبيرة

كانت معاناتنا سابقاً كمواطنين سوريين مع ظاهرة البسطات، عدم قدرة النظام المخلوع على تنظيمها في أماكن وأسواق محددة، تضمن حقوق “المتعيّشين” وتحافظ على ما يُسمّى “الشكل الحضاري” للبلاد، بآن معاً.

 

إذ كان النظام البائد يتبع سياسة اقتلاع البسطات من الشوارع، ويُخرج ذلك على هيئة “نصر”، دون أخذ احتياجات “صغار الكسبة” بعين الاعتبار، فما كان لأصحاب البسطات إلّا اللجوء لـ”برطيل” دوريات المحافظة، ما أفقدهم مع الوقت قدرتهم على توفير منتج بسعر معقول، فباتت سلعهم لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في المحلات.

 

ما بعد السقوط..

 

وأصبح الواقع بعد هروب “الأسد” مختلفاً، إذ تشهد السوق المحلية انفتاحاً كبيراً على المنتجات الأجنبية، وكان للبسطات حصة كبيرة من تواجدها وتداولها، حيث أصبح المشروع الرابح هذه الأيام “فتاح بسطة صغيرة وجيب بضاعة من إدلب”.

 

فغرقت الشوارع بالبسطات، وأصبحت الأرصفة تحديداً في دمشق غير قادرة على احتواء المارة والبسطات معاً، حتّى إنه في بعض المناطق سيما تحت الجسور والساحات الرئيسة وعند مفارق الباصات ترى “الزباين” يقفون في الشارع، لتعذّر الوقوف على الرصيف، وكل ذلك دون رقيب تجاري أو مالي أو تنظيمي أو حتّى صحّي على ما هي هذه المنتجات المُباعة؟.

 

وين الغلط؟

 

فتحت إدلب أبوابها لجميع السوريين بعد سقوط النظام، وأول ما جاء منها منتجات أجنبية (أشكال ألوان) وتركية على وجه الخصوص، بأسعارٍ منافسة للمنتج الوطني، وذلك بعد سنوات من توقّف دخول هذه المنتجات إلى البلاد إلّا ما ندر.

وهنا تجمهر السوريّون في المحافظات حول “تويكس” و “برينغلز” و “ماجي” و “الدخان المهرب”، معتبرين أن “هذه المنتجات جزء من مكاسب الثورة وإحدى دلالات النصر”، دون إدراك أن تعويم المنتج الأجنبي بهذا الشكل سيشكّل كارثة مستقبلية على المنتج الوطني والعاملين في تكوينه.

 

فروقات سعريّة كبيرة

 

بينما تحاول العوم في بحر البسطات، يلفت نظرك تفاوت الأسعار للمنتجات بين ما قبل 8 كانون الأول (تاريخ سقوط الأسد) وما بعده، فذات المادة “شوكولا كيت كات” مثالاً كانت تُباع بين 10-12 ألف للقطعة وأصبحت بحوالي 5-6 آلاف، أو الدخان التركي الذي ينخفض سعره نحو 40% عن أقرانه.

 

هذا الانخفاض مفرح للمواطن، لكنه يطرح تساؤلات عن طبيعة المنتج الذي انخفض 50% “في يوم وليلة”، هل هو مضمون، جيّد، آمن صحياً، مضبوط رقابياً، متابع اقتصادياً؟.

 

إضافةً لأسئلة تتعلّق بسبب مقاربة سعر المنتج الوطني لسعر الأجنبي، رغم فارق المواد الداخلة في تركيب كل منهما، كل هذه الأسئلة وغيرها العشرات تجعل الأمر بحاجة ماسة إلى رقابة ومتابعة حقيقية.

 

تحذيرات ممّن كان بها خبيراً

 

انتشرت مؤخراً منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي منسوبة لتجار في إدلب يحذّرون بها التجار السوريين والمستهلكين من المواد الأجنبية التي أغرقت السوق المحلية وخصوصاً التركيّة منها.

إذ تضمّنت الرسائل تحذيرات حول سعر المنتجات التي تُباع في إدلب بسعر أرخص بكثير منه في دمشق مثالاً، علاوةً على تعويم منتجات تركية على أنها “درة الصناعة التركية”، لكنها في الحقيقة كانت تذهب لـ”الكب” في إدلب بسبب ردائتها.

 

تتعدد الاختصاصات و “البلاء واحد”

 

تعددت اختصاصات البسطات في شوارع البلاد ما بعد 8 كانون الأول الماضي، لكن “البلاء واحد”، فمن بسطات الأكلات الأجنبية لبسطات البضائع الأجنبية وصولاً لبسطات تصريف العملات، كل ذلك يضعنا أمام خطراً حقيقياً يهدد الاقتصاد الوطني.

وبعيداً عن التحليلات الاقتصادية، أمامنا مخاطر عدة من تواتر هذه المنتجات دون رقيب، أهمها الأمان الصحي، فمن يضمن سلامة المنتجات من حيث التخزين والصلاحية؟ أو لجهة التضارب مع مصلحة المنتج والسوق الوطني، خصوصاً وأن المستهلك سيذهب بطبيعة الحال للمنتج الأجنبي لما يحمله من ضخ مرافق له.

 

وعلى صعيد تصريف العملات، من يضمن عدم إغراق السوق بعملات أجنبية مزوّرة تؤدّي لكوارث اقتصادية وأمنية شخصية وعامة؟، عدا عن أن قيام النظام المخلوع بتجريم التعامل بالدولار لا يقابله الانفتاح غير المضبوط الذي نواجهه اليوم، وإلّا من يحمي العملة الوطنية وكيف يجنّبنا ويلات انهيارات قادمة؟.

 

يُذكر أن “ظاهرة البسطات” التي تم خلقها على الأرصفة ما كانت لتكون لو أن الوضع الاقتصادي للمواطن مقبول، وعليه يجب التعامل معها وفق معيار حاجة الناس للترزق، فلا مبرر لقطع الأرزاق، لكن من المهم العمل على ضبط هذا الملف والإشراف عليه.

 

جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى