أول “قوزلّي” في سوريا الجديدة.. رأس السنة الشرقية
مهما تردّى الواقع الاقتصادي لا بدّ من لمّة جميلة للعائلة للاحتفال بمناسبة رأس السنة الشرقية أو “القوزلّي” وممارسة طقوسها اللطيفة، حال معظم أهالي الجبال والأرياف في الساحل السوري منذ مئات السنوات في 13 كانون الثاني من كل عام، وبفارق 13 يوماً عن التقويم الميلادي الغربي.
وإذا كُتبَ على سوريا أن تبدأ تاريخاً جديداً بعد 8 كانون الأول 2024، مع سقوط حكم عائلة “الأسد”، وبعد أكثر من 50 عاماً من الاستبداد والديكتاتورية، فإنها تحتفل اليوم بأول عيد “قوزلّي” أو “قوزلّة” في سوريا الجديدة.
وكتب أحد الناشطين عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”: “من حسن الحظ أن بلدنا حافظ على تاريخه وطقوسه وأعياده وعاداته وتقاليده التي كانت سائدة منذ قدم التاريخ، فأعيادنا ما زالت موعد لتبادل المعايدات والصلوات والتصالح وصفاء القلوب”.
وتابع “أي أنها بقيت محافظة على بساطتها وجمال روحها ونقاء رسالتها وطيبة أهلها.. وليست موعد سنوي يطغى عليه الجانب المادي من استهلاك مفرط وهدايا كثيرة كما هو الحال في بعض الدول”.
وبهذه المناسبة “على جميع أفراد العائلة الاجتماع على مائدة واحدة في هذا اليوم، وربما يطول الانتظار لساعات للبدء بالمائدة، حتّى وصول آخر فرد من أفراد الأسرة”، تقول أم علي (63 عاماً) من قرى ريف القدموس لتلفزيون الخبر.
وتابعت “أم علي” بالقول: “يعتمد الاحتفال بالقوزلّي على اللحوم الحمراء كمادة أساسية ويختلف نوع اللحم بين منزل وآخر تبعاً لعدد أفراده، فمنهم من كان يذبح خروفاً وآخر يحتاج لعجل حتّى تكتمل مائدته، وهذا ما تغيّر جذرياً في أيامنا هذه نظراً للحال المعيشي الذي وصلنا إليه”.
وبذات السياق، قالت السيدة “أم إبراهيم” من قرى “الشيخ بدر” بريف طرطوس (58 عاماً) لتلفزيون الخبر: في هذا اليوم يتم تحضير نوع خبز مشوّش يسمّى خبز ”الميلادي” وفي مناطق أخرى يُعرف بـ”الفطير” مكوّن من الطحين، زيت الزيتون، السمسم، وأحياناً تُضاف إليه حبّة البركة، يتم خبزه ويلزق على جدران التنور، ويقوم البعض بإدخال السمن البلدي عليه.
وأضافت “أم إبراهيم”: “الفطيرة مؤلفة من عدة طبقات من الطحين، وتكون مشبعة بالزيت، ولا يزال هذا الطقس معتمد ورئيسي في 13 من كانون الثاني من كل عام لدى معظم أهالي الأرياف في الساحل السوري”.
و “القوزلّة” اسم مشتق من فعل “قزل” الآشوري أي أشعل النار، وفقاً لكتاب “اللاذقية حضارة المتوسط الأولى”، ويستخدم في العامة “قوزل” أي شارك بالاحتفال بمناسبة القوزلّة، وتعني أيضاً “قوزي-زَلبة” والقوزي هي لحم الضأن، والزَلبة هي لحم العجين المحشي والمقلي، وفي اللغة الآرامية تعني نهاية الشيء وبداية شيء آخر.
ويحتفل بـ”القوزلّي” حتّى يومنا هذا في العديد من القرى في الساحل كعرامو ودمسرخو وكرسانا وجناتا وقرى بانياس وجبلة، كما يحتفل فيها بعض أهالي الداخل والسهل والجبل.
ويبدأ الاحتفال بعيد رأس السنة الشرقية في نهاية العام الشرقي بتاريخ 13 كانون الثاني، إذ يستقبل السوريّون هذه المناسبة بمسحة إنسانيّة رائعة بإعلانه يوماً للتسامح وطي الخلافات الشخصية والعائلية ومساعدة الفقراء بالعطايا المادية وتبادل الزيارات.
و “يُعتبر إحياء القوزلّي مرتبط بالعادات والتقاليد وليس بالدين، وطالما أن المعتقدات ثابتة وراسخة في القلوب، يستمر الاحتفال بالعادات ولا تفنى، رغم أن الاحتفال بأعياد ومناسبات الغرب تقدّم وأدّى إلى تراجع بعض عاداتنا، لكنه لم يلغيها أبداً”، وفق باحثين في التاريخ.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر