العناوين الرئيسيةمجتمع

دور المجتمع المدني في المرحلة الانتقالية: ضمان الاستقرار والتنمية

يُعدّ المجتمع المدني ركيزة أساسية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان ودعم أسس العدالة الانتقالية لتحقيق الاستقرار والتنمية، إذ يمثل المجتمع المدني الصوت الذي يعبر عن مصالح الأفراد ويضع المسائل العامة على جدول الأعمال.

 

التنمية المجتمعية هي عملية تغيير ارتقائي مخطط للنهوض الشامل بمختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع، وتتم بنهج تشاركي، اعتماداً على مبادرات المواطنين وإسهاماتهم المختلفة مع المساندة الحكومية لتلك الجهود.

 

النماذج الناجحة:

 

جنوب إفريقيا: لجنة الحقيقة والمصالحة

 

بعد انتهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة بقيادة نيلسون مانديلا وديزموند توتو، ولعبت منظمات المجتمع المدني دوراً محورياً في دعم المصالحة الوطنية عبر توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الدعم النفسي للضحايا، وساهمت هذه الجهود في تعزيز الوحدة الوطنية والتخفيف من التوترات في جنوب افريقيا

 

البوسنة والهرسك: دعم إعادة البناء الاجتماعي بعد الحرب الأهلية في التسعينيات، تدخلت منظمات المجتمع المدني لتعزيز المصالحة بين المجموعات العرقية المختلفة.

 

وتم تنظيم برامج تعليمية ومبادرات حوارية لدعم التعايش السلمي، وساعدت هذه الجهود في بناء الثقة بين المجتمعات المختلفة وتعزيز استقرار البلاد.

 

رواندا: إعادة تأهيل المجتمع بعد الإبادة الجماعية عام 1994، دعمت منظمات المجتمع المدني مبادرات العدالة الانتقالية مثل محاكم “الغاتشاتشا”.

 

وقدمت الدعم النفسي والاجتماعي للناجين وشاركت في إعادة إدماج الجناة الذين أبدوا استعداداً للمصالحة. وساهمت هذه المبادرات في تعزيز التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة.

 

كولومبيا: تعزيز العدالة الانتقالية

 

بعد اتفاقية السلام مع جماعة القوات المسلحة الثورية (FARC)، لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً في دعم العدالة الانتقالية.

 

وساهمت في توثيق الانتهاكات، ودعم الضحايا، والمشاركة في برامج التنمية الريفية، وساعدت هذه الجهود في بناء الثقة وتحقيق التنمية في المناطق التي تأثرت بالنزاع.

 

العناصر المشتركة للنجاح

 

يعتبر إشراك المجتمع المحلي في تصميم وتنفيذ المشاريع، ابرز عوامل النجاح المشتركة، إلى جانب تعزيز المصالحة والتفاهم بين الأطراف المتنازعة. ويأتي التركيز على التعليم وتمكين الفئات المهمشة، عاملا هاما مشتركا للنجاح، إلى جانب التنسيق مع الحكومات والمنظمات الدولية لتحقيق أهداف طويلة الأمد.

 

دور المجتمع المدني بضمان الاستقرار

 

تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، حيث تقدّم المساعدة اللازمة للضحايا والناجين من الانتهاكات، وتعمل على توثيقها والضغط على الأطراف المعنية لتحمل المسؤولية وتنفيذ التدابير اللازمة لضمانها ولتسليط الضوء على الأعراف والممارسات التي تعمق مفهوم الإفلات من العقاب وتعيق المساءلة.

 

العدالة الانتقالية

 

تنطوي العدالة الانتقالية على جوانب متعددة مثل الحقيقة والعدالة والمساءلة والمصالحة، وتحقيقها يتطلب تعاوناً فعالاً بين السلطات المحلية والمجتمع المدني.

 

في كل مناطق النزاع، ترتكب الأطراف المتحاربة انتهاكاتٍ متواترة ومتكررة وجسيمة للقانون الدولي للحقوق الانسان، وانتهاكات متواترة ومتكررة وخطيرة للقانون الإنساني الدولي، بطرق تضر بالمدنيين.

 

زيادة الوعي والاعتراف بحقوق الإنسان 

 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني زيادة الوعي بحقوق الإنسان والمعايير الدولية للسلوك، يمكنهم القيام بذلك من خلال توفير برامج تدريبية للأفراد وأصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك القادة المحليون والشباب والنساء وصناع القرار، ومن خلال إنشاء منتديات وورشات عمل لمناقشة قضايا حقوق الإنسان.

 

على سبيل المثال، تحالف من المنظمات النسوية السورية (بدائل، دولتي، شبكة الصحفيات السوريات، ومنظمة النساء الآن من أجل التنمية) قام بتنفيذ حملة تهدف إلى دعم الناجيات والناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تم ارتكابه على مدى سنوات النزاع السوري للوصول إلى العدالة.

 

وفي العراق، أطلقت منظمة “الحرية” مبادرة “قيم حقوق الإنسان” لتعزيز الوعي بحقوق الإنسان والمعايير الدولية للسلوك في مناطق الحرب التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة. وبالتعاون مع منظمات أخرى، نظمت المبادرة دورات تدريبية وورش عمل للمجتمع المحلي لنشر الوعي والمعرفة بحقوق الإنسان.

 

دعم قدرة المجتمعات المحلية على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها 

 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني دعم قدرة المجتمعات المحلية على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها. يمكنهم القيام بذلك عن طريق بناء شبكات محلية وتمكين النشطاء على مستوى القاعدة من رصد انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها، ومن خلال دعم تطوير المبادرات المحلية التي تعالج مخاوف حقوق الإنسان.

 

على سبيل المثال، يعمل البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) من خلال وحدة الدعم في القانون الدولي على تزويد منظمات المجتمع المدني السورية، بما في ذلك منظمات الضحايا والمنظمات التي تقودها نساء، بقدرة على الاكتفاء الذاتي في مجال القانون الدولي لكي تواصل جهودها وتنجز مهمتها في مكافحة الإفلات من العقاب.

 

في كولومبيا، تعمل منظمة تييرا ديجنا “Tierra Digna” مع مجتمعات الكولومبيين المنحدرين من أصل أفريقي والسكان الأصليين لبناء قدرتها على رصد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجماعات المسلحة غير الشرعية والشركات المتعددة الجنسيات والإبلاغ عنها.

 

ومن خلال جهود التدريب والمناصرة، تدعم تييرا ديجنا تطوير المبادرات المحلية التي تعالج مخاوف حقوق الإنسان.

 

تقديم الدعم والحماية الأساسيين للفئات المستضعفة

 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني تقديم الدعم والحماية الأساسيين للفئات المستضعفة من السكان.

 

ويشمل ذلك ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمعات المهمشة.

 

ويمكن لمنظمات المجتمع المدني تقديم الدعم القانوني والنفسي والخدمات الأخرى للمحتاجين.

 

على سبيل المثال، في سوريا، تقدم “شبكة النساء السوريات” الدعم والحماية للنساء ضحايا العنف الجنسي، وتدافع عن حقوقهن على المستويات المحلية والوطنية والدولية. توفر الشبكة أيضاً المساعدة القانونية والدعم النفسي والرعاية الطبية للناجيات من العنف الجنسي.

 

دعم أسس المساءلة والعدالة الانتقالية 

 

يمكن القول إن دور منظمات المجتمع المدني في موضوع المساءلة والعدالة الانتقالية لا يقل أهمية عن دور الحكومات والمؤسسات الدولية.

 

فهي تساهم في إرساء قواعد المصالحة والعدالة وبناء المجتمعات القوية والمستدامة. لذا، يجب تعزيز التعاون بين المنظمات المدنية والسلطات المحلية وتقديم الدعم المالي والقانوني لتمكينها من أداء دورها بفعاليّة في مجال العدالة الانتقالية.

 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني تسهيل عمليات العدالة الانتقالية من خلال تعزيز آليات البحث عن الحقيقة والمساءلة، ودعم مشاركة الضحايا في عمليات العدالة الانتقالية، والدعوة إلى الاعتراف بحقوق الضحايا.

 

على سبيل المثال، يسعى البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) لإيجاد آليات تجارية ومالية ذات صلة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الحقوقية المتعلقة بالشركات في سوريا، بالإضافة إلى العمل على تحسين العناية الواجبة المتعلقة بحقوق الإنسان لدى الفاعلين الإنسانيين.

 

في أوغندا، تعمل “شبكة مقدمي خدمات المساعدة القانونية” مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها “جيش الرب للمقاومة” (LRA) لتعزيز مشاركتهم في عمليات العدالة الانتقالية.

 

وتوفر الشبكة المساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي والتثقيف حول آليات العدالة الانتقالية للضحايا، وتدافع عن حقوقهم على المستويين الوطني والدولي.

 

بموجب القانون الدولي، عندما يحدث خطأ دولي، يكون جبر الضرر واجباً. فجبر الضرر يعتبر شكل من أشكال العدالة. فقبل قرن من الزمان، كان ينظر إلى حقوق والتزامات الجبر على أنها تنطبق على العلاقات بين الدول.

 

واليوم، هناك اعتراف متزايد بأن ضحايا انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الانسان من الأفراد، لهم الحق في الحصول على جبر عن الأضرار التي لحقت بهم.

 

وتعزز منظمات المجتمع المدني التعاون والحوار بين الأطراف. فهي تعمل على تسهيل جلسات المصالحة والحوار بين الضحايا والمتهمين والجماعات المتنازعة. ومن خلال تشجيع التعاون والحوار، يمكن تحقيق التفاهم وبناء الثقة والتوصل إلى حلول مقبولة للجميع.

 

ويمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً حيوياً في الدعوة لتغيير السياسات التي تعزز حقوق الإنسان من خلال الانخراط في حملات المناصرة، والضغط على صناع السياسات، وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة المعنيين.

 

على سبيل المثال، في ميانمار، تعمل منظمة “شراكة بورما” على زيادة الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جهات فاعلة غير حكومية، وتدعو إلى إجراء تغييرات في السياسات لمحاسبة هؤلاء الفاعلين.

 

كما تعزز المنظمة الحوار بين منظمات المجتمع المدني والمجتمعات العرقية وصناع السياسات لمعالجة مخاوف حقوق الإنسان.

 

بينما تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حيوياً في حماية حقوق الانسان وتعزيز العدالة الانتقالية والنهوض بها، من المهم الاعتراف بأن هناك أيضاً بعض الجوانب السلبية المرتبطة بمشاركتها.

 

وتسلّط هذه الجوانب السلبية الضوء على التحديات والقيود التي قد تواجهها منظمات المجتمع المدني في سعيها لتحقيق أهداف العدالة الانتقالية، أبرزها رفع سقف توقعات الناجين والضحايا أو ذويهم من قبل منظمات حقوق الإنسان.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى