مصطلحات ومفاهيم محظورة في صحافة “سوريا الأسد” بين القيود الأمنية والواقع السياسي
في سوريا، حيث تشابك النظام الأمني مع الحياة اليومية، كانت بعض المصطلحات والمفاهيم السياسية والاجتماعية تعد من المحرمات التي لا يمكن للصحفيين والناشطين العاملين من الداخل السوري التطرق إليها بحرية.
وكان أي ذكر لهذه الكلمات والمفاهيم، خارج إطار التصريح الرسمي، يعرّض الصحفي للملاحقة الأمنية والتحقيقات المتواصلة، في بيئة مليئة بالرقابة، ما جعل الحديث عن هذه القضايا بمثابة تحدٍّ صريح للنظام وحلفائه.
العدالة الانتقالية والمساءلة
من بين هذه المصطلحات التي كان يصعب تداولها “العدالة الانتقالية” و”المساءلة”، فكلا المفهومين يعكسان فكرة إصلاح النظام السياسي والقضائي، وهو ما يتعارض تماماً مع استراتيجيات النظام السوري المخلوع في الحفاظ على السلطة والهيمنة الأمنية.
القرار 2254 وتداول السلطة
مفهوم آخر كان محظوراً هو “القرار 2254″، وهو القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في محاولة لفرض حل سياسي في سوريا، القرار الذي يدعو إلى تنفيذ عملية انتقالية شاملة، بما في ذلك تداول السلطة، كان يعد بالنسبة للنظام بمثابة دعوة لإضعاف قبضته على الحكم، ولم يكن من الممكن تداوله علنا في العمل الصحفي داخل سوريا، خارج إطار التصريحات المنتقاة.
الكبتاجون وحواجز الرابعة
أما الحديث عن “الكبتاجون”، الذي يُعتبر أحد أكثر المخدرات انتشاراً في سوريا، وتخصص النظام المخلوع بصناعته وتجارته، فكان من المحرمات أيضاً.
ففي الوقت الذي تجني فيه شبكات النظام الأمنية والعسكرية الأموال من تجارة الكبتاجون، كان أي حديث حول هذه التجارة يعرّض صاحبه لخطر شديد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحواجز العسكرية التابعة لما يُسمى “حواجز الرابعة”، أو أي من المجموعات التابعة لأجهزة الأمن التي تُعتبر من أهم أدوات النظام في فرض السيطرة.
كلمات ومفاهيم أخرى كان تداولها مخظوراً، وتطلبن التفافاً حذرا من “صحفيي الداخل” للتعاطي معها، مثل “تعفيش” (سرقة الممتلكات العامة والخاصة)، إضافة إلى كلمات مرتبطة بذات المرجعية مثل “التنحيس” الترفيق” “الأتاوات”.. وغيرها، كانت تعني الوقوع في دائرة الملاحقة.
المعتقلون والمغيبون قسراً
“المعتقلون” و”المغيبون قسراً” كانا مصطلحين يرتبطان بشكل مباشر بالانتهاكات التي يرتكبها النظام بحق المدنيين، وكان لأي ذكر لهذه الحالات يعني تعريض الصحفي أو الناشط أو الناشر للملاحقة.
وسط حالة رفض وإنكار رسمي لوجود أي معتقل سياسي أو معتقل رأي، وعلى الرغم من أن هذه القضايا تشكل واحدة من أكبر الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، فإن الإشارة إليها كانت تعتبر تهديداً للشرعية الأمنية، وتقابل برد فعل عنيف.
الحزب الواحد وأثرياء الحرب
في “سوريا الأسد”، كان مفهوم “الحزب الواحد” و”أثرياء الحرب” من أكثر المواضيع حساسية، فعلى الرغم من أن “الحزب الحاكم” (حزب البعث) هو الذي يسيطر على مفاصل الدولة منذ عقود، كان الحديث عن هذا الحزب يقتصر على التمجيد، أو نقل أخباره الرسمية، ولا يُسمح بالتلميح إلى فشله في تحقيق الإصلاحات، أو ضلوعه كمؤسسة أو أفراد بنشاطات مخالفة للقوانين.
و”أثرياء الحرب”، الذين استفادوا من الحروب والمعارك على حساب الشعب، فكانوا جزءاً من شبكة معقدة من “وكلاء القصر الاقتصاديين”، الذين كانوا يديرون عمليات “الخصخصة” و”الترفِيق” (أي تقديم تسهيلات تجارية مرتبطة بالنظام) والتي كانت تشكل جزءاً من فساد النظام المستشري.
الكيماوي
“الكيماوي” هو كلمة أخرى كانت محرمة تماماً في الإعلام السوري، حيث أن أي تلميح أو اتهام باستخدام النظام للسلاح الكيميائي ضد المدنيين كان يعني “اختفاء” الصحفي إلى غير رجعة. إضافة لأي إشارة مباشرة لوقوع ضحايا مدنيين بأي نوع من الاستهدافات.
الرموز الإعلامية وحقوق الإنسان
أي ذكر لرموز إعلامية معارضة، سياسيين، ناشطين، شخصيات عامة، قياديين، كان يعرض الصحفي للملاحقة الأمنية، حيث أن هؤلاء الأشخاص كانوا يعتبرون تهديداً للنظام الحاكم، وأي محتوى يتناولهم كان يُنظر إليه على أنه دعوة للفتنة والتحريض ضد النظام.
ذات الشيء ينطبق على استخدام مصطلحات مثل “حقوق الإنسان” أو “الليبرالية”، حيث كان النظام المخلوع يعتبر هذه المصطلحات خارج سياقاته المقبولة جزءاً من محاولات هدم شرعيته داخلياً ودولياً.
السيادة والقيادة الحكيمة
أما إذا تم استخدام مصطلحات مثل “سيادتو” أو “القيادة الحكيمة”، فإن الصحفي أو الناشط كان مطالباً بتقديم التقارير والتصريحات في إطار “التمجيد” للنظام ورئيسه. وأي نقد لهذه القيادة أو الإشارة إلى فشلها، أو انتقاد تحالفاتها وممارساتها، كان يعنى الوقوع في دائرة الخطر الأمني.
“الصحافة الاستقصائية”
واحد من أكثر المصطلحات التي كانت تثير الرعب في الأوساط الصحفية السورية، قلة من الصحفيين السوريين في الداخل، تمكنوا من تقديم نتاج صحفي استقصائي، قدموه غالبا بأسماء مستعارة، حيث تتعارض الصحافة الاستقصائية كذراع لكشف الفساد والبحث خلفه، مع رهاب المعلومات والوثائق الذي وصم به “نظام الأسد” الجو الصحفي في الداخل السوري.
من خلال هذه المصطلحات والمفاهيم، يتضح أن الصحفي السوري كان في كثير من الأحيان مطالباً باستخدام لغة رمزية ومواربة في تغطيته للأحداث.
وكان الحديث عن هذه الموضوعات وتقديم محتوى يمسها، يتطلب قدراً كبيراً من الحذر، فبينما كان الإعلام الرسمي ينطق بالرواية الرسمية، كجزء من جدوى وجوده.
كانت هذه القيود تمثل تحدياً حقيقياً للأمن الشخصي للصحفيين والناشطين، وليس فقط للحرية الصحفية في سوريا، لدى المؤسسات المستقلة والخاصة، والصحفيون المستقلون، في وقت كانت فيه الحقائق السياسية والاجتماعية تحتاج إلى مزيد من الشجاعة والمباشرة لتناولها.