العناوين الرئيسيةكي لا ننسى

عملية القبية أو الطائرات الشراعية.. بروفا ما قبل “الطوفان” بنكهة سوريّة فلسطينية تونسية

ظنّ رئيس وزراء العدو “مناحيم بيغن” أن كلامه إبان اجتياح لبنان 1982 عن حياة الأمن والأمان المنتظرة لدولة الاحتلال هو كلام حتمي بالمطلق، حين راح يخاطب المستوطنين جهاراً نهاراً عن سطوة الكيان وتفوّقه.

 

ذاك الكلام لم يتحمّل الكثير لدحضه، فمع وطء قدم أول جندي “إسرائيلي” تراب الجنوب اللبناني، انطلقت مقاومة شعبية لبنانية فلسطينية مدعومة بمتطوعين عرب وأجانب، كبدت العدو خسائر كبيرة في الميدان.

 

وكما كانت الأرض انعكاساً لوهن العدو، كانت السماء كذلك، حين قرر مجموعة من الشبان ليلة 25 تشرين الثاني 1987 قهر العدو وإذلاله جواً بعد عبور حدود فلسطين المحتلة بالطائرات الشراعية لتنفيذ عملية فدائية باسم “القبية”، ردّاً على جرائم العدو ومقررات قمة “الوفاق والاتفاق العربي”.

 

“وعلى الشهادة أو النصر” تعاهد 4 شبان من متطوعي “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة” على تنفيذ العملية وهم السوري خالد أكر، والتونسي ميلود ناجح بن لومة، وفلسطينيين اثنين ما تزال هويتهما طي السرية.

 

ووقف الشبان مساء العملية فوق وادي البقاع اللبناني وأعينهم على هدفهم شمال فلسطين المحتلة، حيث أدوا التحية العسكرية، قبل أن يحلقوا بطائراتهم وهم بكامل إدراكهم أنها رحلة بلا عودة.

 

وكأن القدر أراد أن يكون لسوريا الحصة الأكبر من هذه الملحمة، فمع اضطرار طائرتان من 4 للهبوط داخل الحدود اللبنانية، وتحطّم طائرة المقاوم التونسي في المنطقة العازلة، تمكّن النسر السوري الحلبي خالد أكر من تفادي رادارات العدو وتجاوز الأحراش.

 

ووصل ابن حلب لنقطة الهدف، معسكر “غيبور”، أو ما يطلق عليه معسكر “الأبطال” من لواء “جولاني” وهو أحد أهم ألوية النخبة لدى العدو، وهبط بطائرته وهو بكامل عتاده ليشكّل صدمة كبيرة لجنود الاحتلال.

 

واشتبك “أكر” مع العدو وسط معسكره قرابة 90 دقيقة بحسب وسائل “إسرائيلية” لم يفهم خلالها “الإسرائيلي” كيف تمكّن شاب من اختراق الحدود بطائرة شراعية، والهبوط في أخطر المعسكرات، وحيداً لا يملك سوى بندقية وبعض القنابل ليثير الذعر لدى من يسمون “قوات النخبة”.

 

وتمكّن البطل خالد أكر قبل ارتقائه نحو السماء من تكبيد العدو خسائر في العدة والعتاد، إذ بلغ عدد الإصابات بين جنوده 37 بين قتيل وجريح، عدا عن عطب آليات وحرق خيام.

 

وما إن انكشف غبار المعركة، حتّى بدأت دوريات الاحتلال بمسح الحدود وفي دورية مشتركة مع ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي”، عُثِر على طائرة المقاوم التونسي المحطمة.

 

وكان ميلود مختبئاً على مقربة من طائرته بعد أن التوى كاحله جرّاء هبوطه الاضطّراري العنيف ولم يستسلم، بل قاتل كما يجب أن يقاتل، وتمكّن من قتل 5 جنود قبل أن يستشهد.

 

وأثارت العملية التي سُمّيت في كل الأوساط بعملية “الطائرات الشراعية” ردود أفعال كبيرة أظهرت مدى ضعف منظومة الاحتلال، وقدرة المقاومة على كسر سطوته بأدوات بسيطة لا يدعمها سوى الروح والعزيمة.

 

وشكّلت العملية الخطوة الأولى نحو الانتفاضة التي أطلقها الشعب الفلسطيني عام 1987 ضد الاحتلال على كامل التراب الفلسطيني، إضافة لمساهمتها بضرب مقررات مؤتمر “الوفاق والاتفاق العربي” الذي أسقط فلسطين من مقرراته، وحاول تحويل قضية العرب المركزية نحو إيران.

 

ماذا اليوم؟

 

وبعد 36 عاماً كرر أبطال المقاومة الفلسطينية عملية الطائرات الشراعية على مستوى أوسع من خلال عملية طوفان الأقصى، التي ألحقت بالعدو أكبر هزيمة عسكرية وأمنية في تاريخه وأسفرت عن مقتل وجرح أكثر من ألف “إسرائيلي” جلهم من جنود النخب في لواء غزة وأسر أكثر من 100 جندي ومستوطن.

 

وتعيش المنطقة اليوم على وقع ارتدادات “الطوفان”، إذ أظهرت المقاومة في لبنان وفلسطين ثبات كبير أمام طغيان العدو وجبروته، وقامتا من خلال صمودهما بإفشال خطط الاحتلال الهادفة للقضاء على المقاومة وتهجير المدنيين خارج حدود غزة وجنوب لبنان وإعادة المستوطنين لمنازلهم وتصفية القضية.

 

وبعد أكثر من شهرين على معارك لبنان تناقلت وسائل إعلام “إسرائيلية” أن الكيان أعطى الضوء الأخضر للمضي قدماً نحو اتفاق وقف إطلاق نار في لبنان، دون تحقيق أي هدف من أهداف عمليته “سهام الشمال”، مع عجزه عن تحقيق أي خرق ميداني على الأرض.

 

يُشار إلى أن عملية “القبية” سُميت على اسم قرية القبية الفلسطينية التي ارتكب جيش العدو فيها بقيادة “شارون” مجزرة راح ضحيتها أكثر من 50 شهيداً، بالإضافة إلى تدمير القرية بالكامل، وذلك عام 1953.

 

يُذكر أن الشهيد البطل خالد أكر وأثناء اشتباكه مع قوات العدو كان يصرخ “فلسطين عربية والموت لكم يا أوغاد” ما دبَّ الرعب بقلوب الجنود، بحسب وسائل إعلام “إسرائيلية”.

جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى