مؤسس مبادرة “توثيق التراث السوري” عبر الانترنت يعلن توقفها.. لهذه الأسباب
قرر مؤسس مبادرة “توثيق التراث السوري”، ميار رنة، توقف مبادرته بعد أشهر من انطلاقها، بالرغم من حصدها نجاحات عديدة في توثيق أجزاء من التراث السوري بشقيه المادي واللامادي، وتحقيق بعض وصفات الطعام السوري، مراتب عالمية، بعد توثيقها والعمل على تصديرها للعالم.
بداية المبادرة
يقول ميار رنة في حديثه لتلفزيون الخبر، إن “مبادرة توثيق التراث السوري هي مشروع يهدف إلى جمع وتوثيق كل ما يتعلق بالتراث السوري بشقيه المادي واللامادي، بما في ذلك المأكولات، العادات، الفنون، الأزياء، والآثار”.
وبدأت المبادرة بحسب “رنة” في نهاية حزيران الماضي، وتهدف إلى “إحياء الذاكرة الثقافية السورية، وحماية التراث السوري من النسيان والسرقة من الدول الأخرى وخاصة بعد الإنتشار السوري في جميع دول العالم، ولزيادة الوعي بأهمية التراث الثقافي لدى الأجيال السورية الجديدة”.
ويشير “رنة” إلى أن “فكرة المبادرة انطلقت بعد تعمقي في دراسة تاريخ المأكولات العربية التي بدأت بها في عام 2024، خاصة المأكولات السورية التي ذكرت بالعصر العباسي بمدينة حلب والعصر المملوكي بمدينة دمشق، واطلاعي على العديد من الكتب التاريخية، مما دفعني لتوثيق تراثنا السوري بشكل شامل مع التركيز على المأكولات لأنها الأكثر عرضة للسرقة للأسف”.
قرار توقف مبادرة “توثيق التراث السوري”
نشر “رنة” قبل أيام على الصفحة الرسمية بمبادرة “توثيق التراث السوري” قراره بتوقيف العمل في المبادرة، ويشرح لتلفزيون الخبر أسباب هذا القرارالذي وصفه بالمؤقت بسبب “مجموعة من التحديات والصعوبات التي واجهتها. أولاً، كون المبادرة عملاً فردياً، شعرت بعبء كبير على عاتقي لتغطية جميع جوانب التراث السوري، مما أدى إلى ضغط نفسي كبير بسبب توقعات الآخرين”.
ويتابع “رنة” أنه “تحولت المبادرة إلى جزء من مهامي الحياتية، ولا يمكنني الأنسحاب منها وخاصة موضوع المأكولات حيث أعجب الناس بطريقة كتابة المنشورات للوصفات السورية التي ذكرت بالعصور القديمة بالإضافة إلى ذلك، ولم أتلقَ الاستجابة من الجهات الرسمية كما غاب الدعم المادي الذي كان من الممكن أن يساعد في استمرارية المشروع”.
ونتيجة لهذه العوامل، يضيف “رنة”: “شعرت أنه من الأفضل إيقاف المبادرة في الوقت الحالي. و أن إمكانية استئنافها تبقى مفتوحة، خاصةً إذا تم توفير الدعم الكافي من قبل الجهات الرسمية والأفراد المهتمين بالتراث الثقافي ووجود من يعمل معي ليساعدني بذلك”.
التوثيق كجهود جماعية
يرى “رنة” أن قضية توثيق التراث يمكن أن تطور من هذه المبادرة لتصبح “جهداً جماعياً يشمل مجموعة من المتطوعين أو الشركاء الذين يشاركون نفس الرؤية، مما يساهم في توسيع نطاق التوثيق وتوزيع الأعباء لأنه للأسف يدُ واحدة لا تصفق”.
ويؤكد “رنة” على أنه خلال عمله على المبادرة “لم يكن هناك أي شركاء رسميون، رغم سعيي للحصول على دعم من الجهات الحكومية ورجال الأعمال، لم أتلقَ ردوداً إيجابية. ومع ذلك، تلقيت دعماً معنوياً كبيراً من المجتمع المدني، حيث أن هناك أفراد تطوعوا لمساعدتي في توثيق بعض الوصفات على موقع (تيست أطلس)”.
التوثيق الالكتروني للتراث
يجد “رنة” أن “التوثيق الإلكتروني للتراث يوفر وسيلة فعالة لحفظه ونشره على نطاق واسع، مما يسهل الوصول إليه من جميع أنحاء العالم ويزيد من الوعي العام بأهمية التراث الثقافي، خاصةً إذا تم توثيقها باللغة الإنجليزية، لذلك أركز في جميع توثيقاتي على اللغة الإنجليزية لتصل إلى جميع شعوب العالم”.
ويبين “رنة” أنه “في ظل الرسائل السلبية التي تروج لفكرة أن سوريا ليست لديها تاريخ أو حضارة، يصبح التوثيق الإلكتروني أمراً حيوياً للحفاظ على هويتنا الثقافية، مما يعكس هذا الجهد حقيقة أن المأكولات السورية، على وجه الخصوص تتعرض للسرقة والتحريف من غير السوريين، مما يجعل الناس يعتقدون أن هذه الأطباق تنتمي لدول أخرى، رغم أنها أطباق سورية 100%”.
صعوبات وتحديات
واجهت المبادرة عدة صعوبات، وفقاً لمؤسسها الذي قال إن “أبرز هذه الصعوبات قلة المصادر المتاحة للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالتراث السوري، في الأزياء مثلاً بحثت عن أزيائنا باللغة الفرنسية لأن الإنتداب الفرنسي وثق الكثير من أزيائنا في المتاحف الفرنسية ولذلك تكمن الصعوبة في البحث عن المصادر بلغات أخرى غير العربية”.
ولفت “رنة” إلى أنه “واجه تحديات في الحصول على كتب أجنبية مدفوعة تحتوي على معلومات قيمة عن سوريا، مما صعّب عليّ جمع المعلومات اللازمة لعدم وجود دعم مادي، والأمر الأخر هو كمية الحالات من سرقة الهوية الثقافية السورية، حيث تم نسب بعض الأطباق والأزياء السورية لدول أخرى”.
وتابع “رنة” أن “هذا الأمر دفعني للعمل على كشف هذه الانتهاكات ورفع الوعي حولها، ولذلك تعرضت لانتقادات من بعض الأشخاص الذين اتهموني بإشعال الفتنة بين الشعوب، رغم أنني أؤكد دائمًا أنني أسعى فقط للدفاع عن تراث بلدي، أقول لهم إن من يسرق تراث بلد آخر هو من يساهم في إشعال الفتنة، وليس من يسعى للحفاظ على هويته الثقافية”.
مستقبل المبادرة
يقول “رنة” إنه يمكنه الاستمرار في فكرة التوثيق كمشروع فردي، ويضيف “سأعمل على جمع المزيد من المعلومات وتوثيقها عبر قنوات أخرى. ولكن إذا تلقيت الدعم المادي والمعنوي من الجهات الرسمية، سأكون سعيدًا بالاستمرار في توثيق التراث لأجل بلدي”.
ويوضح “رنة” أنه لن يفكر في بدء مبادرة جديدة، لأنه ليس هناك من هو أكثر شغفًا بحماية التراث السوري من أبناء الوطن. هناك الكثير من الأشخاص الذين يمكنهم فعل المستحيل مثلي من أجل سوريا، فقط بحاجة إلى الشغف والحب لوطنهم العظيم ليقدموا لها الكثير”.
ويكمل “رنة” أنه “يمكن لكل سوري أن يكون فعالًا في آليات حفظ التراث من خلال المشاركة في الأنشطة الثقافية وتعريف غير السوريين بمأكولاتنا وأزيائنا، توثيق عاداتنا وتقاليدنا، وتعليم الأجيال السورية القادمة عن تراثهم، خاصةً في ظل تواجدهم في بلدان جديدة. تواصل معي الكثير من السوريين الذين يسألون كيف يمكنهم المساعدة، ودائمًا أجيبهم بأن الأمر يبدأ منهم”.
ويذكر “رنة” مثالاً على هذا التفصيل بالقول إنه “إذا كان أحدهم يجيد اللغة الإسبانية ويعيش في إسبانيا، يمكنه ترجمة الفيديوهات السورية التي تُعرض الأطباق باللغة العربية إلى الإسبانية ونشرها لتعريف الإسبان بالمأكولات السورية، كما أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن يسهم فيها السوريون، مثل تصوير الأطباق، تصميم الفيديوهات، أو حتى إنشاء مواقع إلكترونية لتوثيق التراث السوري بلغات متعددة”.
ويؤكد “رنة” أنه “يجب علينا أن نتجاوز حصر توثيق تراثنا باللغة العربية فقط، لأن هذا أحد الأسباب التي تمنع انتشار المأكولات السورية بشكل صحيح على مستوى العالم. علينا أن نحرص على أن يكون تراثنا الثقافي متاحًا ومُعترفًا به بلغات مختلفة لتوسيع نطاق تأثيرنا”.
ووجه “رنة” عبر تلفزيون الخبر نداءً إلى وزارة السياحة ووزارة الثقافة، بأن” يدعموا المبادرات الفردية ويشجعوها، فهذه الخطوة ستعزز من جهود السوريين المخلصين الذين سيسعون لتقديم الكثير لوطنهم، ولكنهم قد يشعرون بالخوف من عدم الاعتراف بجهودهم نتيجة العمل الفردي وغياب الدعم الرسمي”.
من هو مؤسس مبادرة “توثيق التراث السوري”
ميار رنة، شاب سوري، وعمره 30 سنة، حائز على شهادة البكالوريوس في المحاسبة والماجستير في إدارة الأعمال، توجه إلى توثيق التراث السوري بسبب حبه لثقافته الوطنية واهتمامه بالحفاظ على تاريخ بلادهن الغني، قضى أربع سنوات في القراءة عن المأكولات السورية من خلال البحث في الكتب التاريخية التي تناولت المدن السورية في الفترة العباسية والمملوكية.
ويشجع “رنة” جميع السوريين على “الانخراط في جهود حفظ التراث السوري. لقد تلقيت دعماً معنوياً كبيراً من مختلف فئات المجتمع المدني، بدءًا من المراهقين إلى الشباب والشابات وصولًا إلى كبار السن، وهو ما كان له الأثر الكبير في شغفي لما فعلته بمبادرتي حيث أنه كنت من فرط الشغف أكتب ما لا يقل عن 6 منشوريات يومياً وأجلس بالساعات على كتابة المنشورات دون ملل أو كلل”.
ويعد توثيق التراث بشقيه المادي واللامادي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الفخر الوطني، ويمكن الناس من التعرف على تاريخ بلادهم وأهمية حضارتهم وإسهامات أجدادهم للبشرية.
ويسهم توثيق التراث في تعزيز السياحة الثقافية، حيث يساعد الزوار على فهم ثراء التراث السوري، ويعبر “رنة” عن أهمية التراث أنه “في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، يصبح توثيق التراث وسيلة لتأكيد أن سوريا ليست بلداً بلا قيمة، بل هي بلد عظيم يمتلك تاريخًا غنياً”.
ويختم “رنة” حديثه بالقول إنه “من خلال هذا التوثيق، نحمي أنفسنا والأجيال القادمة من خطر النسيان، ونتأكد من عدم نسب تراثنا الثقافي لغيرنا”.
الجدير بالذكر أن مبادرة توثيق التراث السوري، وبالرغم من عمرها القصير، تمكنت من توثيق 142 وصفة من المأكولات السورية، والتي تمت إضافتها إلى موقع “تيست أطلس” المتخصص بالأطعمة العالمية، واحتلت سوريا بهذا التوقيق المرتبة الأولى بين الدول العربية في تصنيف الأطعمة على الموقعت للعالم الحالي.
وحصدت سوريا مراتب متقدمة في قوائم “أفضل الأطعمة” والتي يتم تصنيفها بناءً على جودتها وتقييم المستخدمين وآرائهم من العالم كافة، وتلى سوريا في التصنيف الخاص بالمطابخ العالمية، كلاً من لبنان، ومصر، والمغرب، والجزائر، وتونس، على التوالي.
لين السعدي – تلفزيون الخبر