كيف لا تكون شريكاً لعدوك في الحرب النفسية؟
مر أكثر من ٤٨ ساعة على إعلان استشهاد الأمين العام لحزlب الله السيد حسن نصر الله جراء عدوان “إسرائيلي” على الضاحية الجنوبية الجمعة.
وسبق استشهاد السيد ارتقاء عدد من قيادات الصف الأول في الحزب شهداء على طريق القدس جراء اعتداءات “إسرائيلية” على الضاحية إضافة لمجزرة “البيجر” التي أدت لاستشهاد العشرات وجرح الآلاف.
ماذا جرى؟ هل انتهت المعركة؟ هل استسلم الحزب وحلفاؤه للكيان ووقعوا صكوك الهزيمة وتم تصفية القضية الفلسطينية؟ هل تم إصدار نتائج التحقيقات وبدأنا بتقاذف الاتهامات حول المُقصرين أو المتخاذلين أو العملاء؟
ما أن يفتح الشخص وسائل التواصل حتى تنهال عليه آلاف الأخبار والمنشورات التي يحتار في التعامل معها وجميعها تحمل ذات الدلالات منها منشورات تشجع على الانكسار وأُخرى تحليلات تشق الصف وبعضها أخبار وتسريبات مُزيفة إما لرفع الهمم أو للإحباط.
هل سمعتم عن الحرب النفسية وأساليب الاحتلال في طمس الوعي وضرب الحالة النفسية لدى جمهور عدوه؟ هل تظنون أن وسائل التواصل هي مكان رحب لتبادل الآراء والتبريكات فقط وأن ما يُنشر عليها محض صدفة أو فكرة في عقل كاتبها؟ هل سألت نفسك حول مشاركتك الاحتلال في خططه عن غير قصد؟.
كيف يدير الاحتلال معركة الوعي؟
أدرك الكيان مبكراً أهمية وقيمة مواقع التواصل الاجتماعي ووظفها فى صراعه طويل الأمد مع العرب كوسيلة سهلة وفاعلة لغزو العقول العربية خاصة الشباب منهم معتمداً على طبيعة الجمهور العربي العاطفية والتجاذبات بين أطيافه وفقدان الثقة بالطبقات السياسية.
وبحسب إحصائيات تابعة للخارجية “الإسرائيلية” في 2018 فإنه يعيش فى الشرق الأوسط نحو 250 مليون عربي بينهم 145 مليون يستخدمون الإنترنت منهم 80 مليون يستخدمون “فيسبوك” وبالتالي وجدت أن أسهل طريقة للوصول لهذا الرقم الضخم من الشباب هو التواصل معهم عبر الإنترنت وشبكات التواصل بصفة عامة.
ومع بداية ما يسمى “الربيع العربي” مروراً بموجة التطبيع وليس نهايةً بالعدوان “الإسرائيلي” على غزة ولبنان أطلق الكيان عشرات آلاف الحسابات الهادفة إلى نشر معلومات مُضللة وتشويه الصورة العامة لخصومه وخلق حالة شقاق بين القيادة في هذه الدول وشعوبها وخلق رأي عام مساند للكيان وداعم لحالة السلام معه إضافة لحرف الحقائق.
وبينما كانت وثائق الصورة والفيديو خلال فترتي الثمانينات والتسعينات هي الفيصل بين الرواية المزيفة والصادقة باتت اليوم ومع ثورة الذكاء الاصطناعي عرضة للتزييف مع صعوبة كشف التلاعب بها عند غير الخبراء.
أساليب الاحتلال في تطبيق خططه
كان الكيان من أوائل وأبرز من دخل مجال الثورة التكنولوجية وأسس وحدات كاملة متخصصة في إدارة الحرب الإلكترونية تابعة لقيادة جيش العدو واستخباراته عدا عن أقسام ضمن وزارة الخارجية.
وفي إحدى مباني وزارة خارجية الاحتلال يقبع موظفون في لجان إلكترونية للتواصل مع الشباب العربي تحت مسمى “قسم الدبلوماسية الرقمية” ويعمل بها نحو 10 مسؤولين بالخارجية على كتابة المنشورات ونشر الصور وترجمة المواد من العبرية إلى العربية وكتابة تعليقات للمتصفحين وبث الشائعات وتأليب الرأي العام.
وفي المجال الأمني/العسكري تأتي وحدة “8200” التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” وتختصر “آمان” على رأس قائمة أسلحة الكيان في عملية كي الوعي العربي.
فهي الوحدة المسؤولة عن التجسس الإلكتروني وفك الشفرة وقيادة الحرب الإلكترونية خصوصاً ضد “أعداء” الاحتلال والمساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة للكيان وتعتمد على الرصد والتنصت والتصوير والتشويش.
وتعتبر “8200” درة التاج الإستخباري “الإسرائيلي” ومسؤولة عن جمع المعلومات حول أهداف عمليات الاغتيال في المنطقة العربية والتجسس على أعداء الكيان على الصعيد المدني والعسكري واللعب بعقل المواطن العربي واستهداف وعيه من خلال الإعلام و”السوشال ميديا”.
وفي ذات السياق أسست “أمان” وحدة “504” وهي وحدة يتقن أفرادها اللغة العربية ولهجاتها المختلفة بما فيها اللهجة العامية المصرية والشامية وغيرها من اللهجات كما يعيشون بالأسلوب العربي كي يتمكنوا من التأصل بالثقافة العربية ما يساعدهم على فهم العقل العربي وسهولة اختراقه سواء على أرض الواقع أو عبر مواقع التواصل.
ويملك الكيان صفحات كبيرة على مواقع التواصل استطاع عبرها جلب الكثير من الجمهور العربي للاطلاع على روايته منها “إسرائيل بالعربي” و”أفيخاي أذرعي”.
وتقوم هذه الصفحات (ذات الجمهور العربي الواسع) بنشر معلومات مغلوطة وإثارة بلبلة معتمدة على معلومات مزيفة ويقوم الناشرون عليها باستخدام أمثال شعبية وآيات قرأنية ليكونوا أقرب للشارع العربي في توجيه رسالتهم.
وإضافة لهذه الصفحات العلنية يُدير الكيان أكثر من 1200 صفحة كبيرة على مواقع التواصل (مجهولة المصدر) ناطقة بالعربي وذلك وفق تقارير نشرتها عدة صحف عبرية.
الهدف من هذه الصفحات بحسب الإعلام “الإسرائيلي” قسم الساحة العربية لفريقين الأول يؤيد رواية أعداء “إسرائيل” ويؤكد على ضرورة مقاومتها بشتى الوسائل ويشدد على ضعف “إسرائيل” وتخبطها وقرب زوالها نتيجة الانقسامات بها.
لكنه بنفس الوقت يمرر معلومات مغلوطة ويضخم من حجم الخطط العسكرية لمحور المقاومة بهدف إحباط الشارع المقاوم في حال كانت الوقائع مخالفة لما يتم نشره علاوة على الإيحاء بأن فكرة المقاومة مرتبطة بأشخاص في حال غيابهم عن المشهد ينكسر المحور.
والفريق الثاني يعتمد في سرديته على المقارنة بين حال الدول المطبعة مع الكيان وحال الدول المقاومة له من الناحية الاقتصادية ويُشيع فكرة أن دول المنطقة وشعوبها أُنهكت من الحروب مع إغفال أن سبب الوضع العربي هو الكيان وحلفاؤه بل يلصق التهم بالفصائل المقاومة ويربطها بأجندات سياسية أو شخصية بعيدة عن هدف التحرير.
ماذا يحدث اليوم؟
منذ بداية العدوان على غزة وما شهده من تزييف وتبرير “إسرائيلي” لجرائمه (رواية قتل المقاومة للأطفال واتخاذها المشافي والمدنيين كدروع) وصولاً إلى الاعتداءات المتتالية على لبنان وأخيراً استشهاد السيد “نصر الله”.
كثف الاحتلال من نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي حيث ساهمت أدواته في خلق حالة إنكسار لدى شعوب المقاومة عبر تسيير “سوشال ميديا” بطروحات وأفكار تخدم مصالحه.
وانتشرت على مواقع التواصل تحديداً في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين خصوصاً بعد استشهاد السيد “نصر الله” موجتين من المنشورات التي تظهر عليها بصمة الاحتلال ويتناقلها الجمهور المقاوم دون دراية بارتباطها بأجندة الكيان.
أول موجة تقوم بشكل عاطفي على نعي المقاومة وإظهار أن ما جرى خلال الأيام الأخيرة هو نهاية مشروعها في المنطقة وانتصار الكيان بفعل الاغتيالات التي نفذها معتبرين أن غياب بعض القادة (على أهميتهم) سيؤدي حكماً لنهاية المشروع.
والموجة الثانية توجه التهم لأطراف محور المقاومة بالتأمر والخيانة والخذلان والتقصير بحق فلسطين ولبنان إضافة لإثارة نعرات طائفية تهدف بنهايتها لتفتيت الشارع المقاوم وضربه في مقتل.
والناشرون ضمن هاتين الموجتين هم أشخاص مؤمنون بفكرة المقاومة لكن عواطفهم وحزنهم على الشهداء وفر الفرصة للكيان لبث منشورات “مُعلبة” يتناقلها هؤلاء الأشخاص دون فهم لمخططات الكيان.
لكن اليوم وقبل الغد يقع على عاتق كل مؤمن بفكرة المقاومة تعزيز ايمانه بهذه الفكرة والحذر من كل وسائل الحرب النفسية التي يديرها الاحتلال لكون وقعها على المشروع المقاوم أخطر من أسلحته.
يذكر أن ما تمر به المنطقة من تخبطات وحروب هو ليس بجديد عليها وأن الصراع مع الكيان منذ 1948 مر بالكثير من الأحداث المشابهة باختلاف درجات شدتها لكن الثابت الوحيد هو أن فكرة المقاومة مستمرة وهو ما يدفع الكيان لزيادة إجرامه كلما مر الوقت لاقتناعه أن لا أمان له طالما هناك فكر مقاوم بمعزل عن قدرته على توجيه ضريات قاسية له في بعض الأوقات.
جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر