قناديل البحر “الرحّالة” تغزو شواطئ طرطوس في عزّ الشتاء.. ماذا تعرف عنها؟
تداولت صفحات مهتمة بأخبار محافظة طرطوس، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لانتشار كبير لقناديل البحر تغزو شواطئ المحافظة وداخل المياه بكثافة، قيل من قبل متابعين إنها “على غير موعدها”، متسائلين عن الأسباب، فما حقيقة ذلك؟.
بهذا الخصوص، أفاد اختصاصي البيولوجيا البحرية، الدكتور “سامر ماميش”، لتلفزيون الخبر، أن “هذا النوع وفق الصور المتداولة اسمه قنديل البحر الرحّال، وهو من الأنواع الغازية للبحر المتوسط منذ سبعينيات القرن الماضي، وموطنه الأصلي المحيط الهندي، الهادي، والبحر الأحمر”.
ودخلت قناديل البحر “الرحّالة” كغيرها من الأنواع الغازية إلى شرق البحر المتوسط، مع مياه صابورة وهياكل السفن القادمة عبر قناة السويس، وفق ما ذكره “ماميش”.
وأوضح “ماميش”، أن “التغيّرات المناخية والاحترار وارتفاع ملوحة البحر المتوسط ساهموا في تأقلم هذه الأنواع على العيش في بحرنا، ومن ثم انتشارها الكبير على شكل هجمات، لعدم وجود منافسين، بالإضافة إلى غياب الأنواع التي تأكلها وأهمها السلاحف البحرية”.
وبيّن الاختصاصي، أن “هذا النوع كان في السابق يظهر في شهري تموز وآب فقط، ومنذ عام 2010 صار يظهر على فترتين، الأولى خلال شهري شباط وآذار، ثم يختفي ليظهر مجدداً في تموز وآب، وذلك بسبب تحوّله من مجرد نوع غازي إلى مستوطن بشكلٍ دائم في شرق المتوسط”.
ولفت “ماميش” إلى أنه “في شباط وآذار يحدث في البحر ما يسمّى بالقفزة الربيعية، لغزارة العوالق النباتية والحيوانية، إذ أن تغذية هذا النوع الرئيسة تعتمد على العوالق الحيوانية وبيوض الأسماك ويرقاتها، وتعود خلال شهري تموز وآب بفترة ثانية، إذ أن حرارة الماء تكون هي الأعلى، بالتالي يخرج القنديل للتزاوج”.
ما هو القنديل الرحّال؟
يقول اختصاصي البيولوجيا البحرية، أن “قنديل البحر الرحّال ينتمي إلى شعبة اللاسعات، وهي حيوانات لا فقارية، تشكّل جزءاً من العوالق الهلامية الضخمة، وتنتشر شبكة عصبية بدائية تشمل الجسم بأكمله، تساهم في تأمين تقلّصات الحيوان المنتظمة وردود فعل متناسقة”.
“الرحّال” أكثر قناديل المتوسط خطورة
وتابع اختصاصي “قناديل البحر”، أن “هذا النوع يُعدّ من أكبر قناديل البحر المتوسط وأكثرها خطورة وتأثيراً على الإنسان، لما تحتويه خلاياه اللاسعة من سموم وأنزيمات تسبب التأثيرات الجلدية والتنفسية التي تحدث بعد اللسع، مما أوجب وضعه ضمن قائمة أسوأ 100 نوع غازٍ في البحر المتوسط وأكثرها تأثيراً”.
وأشار البيولوجي إلى أن “هذا النوع يتميّز بلون أبيض مائل للأزرق الثلجي، له مظلة هلامية نصف كروية تقريباً، وتوجد له 8 أذرع فموية، تلتحم في المنتصف، وتحمل في نهايتها خيوطاً طويلة ورفيعة، تكون الأذرع الفموية والخيوط مزوّدة بملايين الخلايا اللاسعة، ويتراوح وزن الفرد البالغ بين 1 و 10 كغ، وقد يصل إلى 40 كيلوغراماً أحياناً”.
عوامل الظهور المتزايد للقناديل
وعن الأسباب المحتملة للظهور الكثيف والمتزايد لأعدادها في البحر المتوسط، أجاب “ماميش”، أنه “بسبب التغيّر المناخي نتيجة للنشاط البشري، والتلوّث، إذ أسهمت النشاطات البشرية في زيادة حمل الملوثات الحضرية والزراعية والصناعية، والتي تُرمى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الأنهار الساحلية، وتصب في النهاية في البحار والمحيطات”.
وتابع الاختصاصي، أنه “بالإضافة إلى الصيد الجائر واستنزاف الثروة السمكية، واستغلال الشواطئ استغلالاً مكثفاً من قبل البشر، عن طريق بناء المرافئ، وإقامة الحواجز الاصطناعية، وكواسر الأمواج أمام المرافئ”.
“إضافةً إلى ردم الشواطئ الرملية والذي أدّى إلى خلق بيئة مناسبة وشروط مثالية لتثبت بوليبات قناديل البحر وحضانتها على هذه المنشآت الاصطناعية، بالتالي زيادة معدلات تكاثرها اللا جنسي”، وفق ما ذكره الاختصاصي.
وأشار البيولوجي إلى أن “انخفاض أعداد السلاحف البحرية التي تتغذّى أساساً على قناديل البحر أدّى إلى حدوث عدم توازن لصالح القناديل وزيادة أعدادها”.
وأوضح “ماميش”، أنه “أصبح من المؤكّد أن الاستنزاف والاستغلال الجائر لموارد البحار، خلق بيئة مثالية لتكاثر قناديل البحر، بالتالي يمكن عدّ قناديل البحر مؤشر حيوي ممتاز للتدهور البيئي، وكلما زادت قناديل البحر، كانت الإشارة أقوى على أن شيئاً ما قد تغيّر فعلاً”.
وأكّد الاختصاصي، أنه “لا يمكن القول بأن لعامل واحد بمفرده دور رئيس ومباشر في زيادة أعداد قناديل البحر، وإنما تنتج من تضافر عوامل عدة مجتمعة، تؤدّي إلى التأثير في غزارة قناديل البحر وانتشارها”.
هل من إجراءات مجدية لمواجهتها؟
يقول الاختصاصي في حديثه لتلفزيون الخبر، إنه: “تم تجريب عدة وسائل لمنع وإعاقة دخول القناديل إلى قرب الشواطئ والمنتجعات السياحية، وذلك بإنشاء مناطق آمنة للسباحة، وتثبيت شباك كبيرة ذات فتحات صغيرة نسبياً على عوامات مثبتة بسلاسل إلى القاع (الأحواض المسيّجة)، إلا أن هذه الطرق مكلفة وغير مجدية”.
وتابع البيولوجي، أن “سبب ذلك يعود إلى انتشار المجسات والخيوط اللاسعة لبعض الأنواع لمسافة كبيرة بعيداً عن جسم القنديل، كما أن ماء البحر بحد ذاته يحوي بعض الحويصلات اللاسعة التي انفصلت عن القناديل، وخصوصاً في فترة الغزارة، مسببة ما يسمّى بـ(المياه اللاسعة)، التي تمر عبر الشبكة وتثير تحسس السباحين دون معرفة السبب”.
وحذّر دكتور البيولوجيا البحرية من “الاقتراب من قناديل البحر حتى عندما تكون ميتة وملقاة على الشاطئ كونها تبقى محتفظة بقدرتها على اللسع”.
وعن آلية مكافحة قناديل البحر والحدّ من انتشارها الغزير والغير مألوف، أوضح “ماميش”، أنه “لا تُعدّ مسألة مكافحة قناديل البحر مسألة تقنية فحسب، وإنما تتطلب المزيد من الوعي والشعور بالمسؤولية لمواجهتها”.
وأضاف الاختصاصي، أن “أساليب المكافحة تشمل مقترحات عدة، كالحد من طرح النفايات والملوثات ومياه الصرف الزراعي والصناعي غير المعالجة، وإنشاء محطات معالجة وعدم طرحها مباشرة في الأنهار الساحلية”.
“والحد من ردم السواحل، أو إجراء أي تغيّرات طبوغرافية، وذلك لتقليص مناطق تثبّت وحضانة بوليبات قناديل البحر، إضافةً إلى حماية السلاحف البحرية وإنشاء محميات للمحافظة على تنوّعها الحيوي”.
وبيّن البيولوجي، أنه “من آليات المكافحة أيضاً التقيّد بقوانين حماية المخزون السمكي، وذلك بتحديد أنواع الشباك المستعملة، ومنع الصيد في أوقات التفريخ والإباضة، ومنع استعمال الديناميت في الصيد حتى لا تتخرّب موائل الأسماك”.
توصيات أهل الاختصاص
وأشار الاختصاصي إلى ضرورة “ابتكار وسائل للاستفادة من قناديل البحر، كاستخلاص مادة الكولاجين واستخدامها في الأدوية المرممة للغضاريف، وبعض مستحضرات التجميل الأخرى”.
كما أن هناك توصيات من قبل أكاديميين لإنشاء منشآت لمعالجة قناديل البحر بعد صيدها، وحفظها في عبوات وتصديرها إلى دول شرق آسيا، إذ تستهلك مع الأطعمة البحرية، أو استعمالها كعلف للأسماك والحيوانات.
يُذكر أن هذا النوع ظهر لأول مرة في البحر المتوسط مقابل الساحل الفلسطيني عام 1977، ومن ثم الساحل اللبناني 1988، وجرت الإشارة إليه في المياه الساحلية السورية عام 1995، تزامناً مع تسجيل وجوده لأول مرة في تركيا، لينتشر بعدها في كامل الحوض الشرقي، وجزء كبير من الحوض الغربي للمتوسط.
تلفزيون الخبر