“الإعاقة الغامضة”.. مختص يوضح لتلفزيون الخبر أسباب وعلاج اضطراب طيف التوحّد
يعتبر التوحد أحد الاضطرابات الشائعة في المجتمعات على اختلافها، ومن أكثر المصطلحات انتشاراً على الرغم من قلة المعلومات التي يعرفها الناس حوله، بالإضافة إلى ضبابية الأسباب وطرق العلاج.
وتحدث المدير الفني في جمعية الربيع لرعاية الأشخاص المصابين باضطراب التوحد بحمص، الدكتور رائد طحان، لتلفزيون الخبر عن هذا الاضطراب وأسبابه وطرق وبرامج علاجه.
لمحة تاريخية
بيّن الدكتور “طحان” أن: “كلمة التوحد تعود إلى الكلمة اليونانية “Autos” وتعني النفس، وأول من استخدم تعبير توحد طفولي كان الطبيب السويسري “بلولر”، لكن أول من وصف التوحد بطريقة علمية كان “ليو كانر”، حيث أطلق عليهم وصف تشخيصي جديد هو “توحد طفولي” وبهذه الدراسة ابتدأ تاريخ التوحد.
ماهو اضطراب طيف التوحد؟
يُعرّف التوحّد، بحسب الدكتور “طحان” بأنه: “اضطراب نمائي عصبي يؤثر بشكل واضح على التواصل اللفظي وغير اللفظي والتفاعل الاجتماعي والسلوك والأداء التعليمي للفرد”.
وأشار الدكتور “طحان” لتلفزيون الخبر إلى أن: “اضطراب التوحد يظهر في جميع أنحاء العالم وبمختلف الجنسيات والطبقات الاجتماعية، وتصل نسبة انتشاره بين الذكور والإناث إلى نسبة 1/4، أربعة ذكور مقابل أنثى واحدة”.
الخصائص والسمات
أوضح الدكتور “طحان” أن: “اضطراب طيف التوحد يظهر في خصائص معينة، منها السلوكية كرفرفة اليدين والتحديق بالسقف والدوران حول النفس وتذوق أو شم الأشياء باستمرار والمشي على أطراف أصابع القدمين وتمزيق الورق إلى قطع صغيرة جداً”.
وتابع الدكتور “طحان” أن: “ثاني الأشكال يظهر عبر التمسك الشديد بروتين الحياة ورفض التغيير في البيئة المحيطة، والروتين قد يكون في المكان كالإصرار على الجلوس في مكان واحد أثناء تناول الطعام، أو في الزمان كالإصرار على القيام بعمل معين في ساعة معينة من اليوم، أو في الأشياء كالأكل من صحن محدد أو الشرب من كأس بلون معين”.
وأكمل الدكتور “طحان” أن: “ثالث السمات هي الاهتمام المحدود واللعب التخيلي كاللعب بالتراب لساعات دون ملل، والتعلق غير الطبيعي بأشياء محدودة، كحمل أحدهم لعلبة فارغة أينما ذهب أو إخفاء العلب الفارغة في مكان معين، أو تعلقه بالإعلانات التجارية والألوان أو الخطوط”.
وبين الدكتور “طحان” لتلفزيون الخبر أن: “التوحد يتميز بخصائص اجتماعية تظهر بعدة أشكال أيضاً، حيث يفتقر الطفل المتوحد للابتسامة الاجتماعية منذ الشهر الثاني من حياته، وقد يظهر لديه نوبات ضحك وغضب بدون سبب”.
وأكمل المدير الفني بالجمعية: “لا يستطيع الأطفال التوحديون إبداء التعبيرات الوجهية المناسبة للتعبير عن انفعالاتهم، ويميل معظمهم إلى الانعزال عن والديهم بحيث لا يبدون أية إشارة تدل على الترحيب بهم”.
وأردف الدكتور “طحان”: “يعاني الأطفال التوحّديون من صعوبات اجتماعية تتمثل في عدم فهمهم بأن للآخرين أفكار ومشاعر تختلف عما لديهم، وعجزهم عن التنبؤ بما يجب أن يفعلوه في المواقف الاجتماعية”.
ولفت الدكتور “طحان” إلى الخصائص التواصلية، فجميع الأطفال يعانون من اضطراب في التواصل بشكليه اللفظي وغير اللفظي، حيث يعتبر التأخر في نمو اللغة من الخصائص الواضحة والمميزة للطفل وأول مؤشر يثير شكوك الأهل حول وجود شيء ما غير طبيعي لدى طفلهما”.
ومن أشكال الاضطرابات اللغوية لدى الأطفال التوحديين، بحسب الدكتور “طحان” الاستخدام العكسي للضمائر، فيشير الطفل التوحدي إلى الآخرين بضمير “أنا” وإلى نفسه بضمير “هو”، بالإضافة إلى التساؤل المستمر، والمصاداة وهي ترديد الطفل ما قد يسمعه تواً بشكل غير وظيفي وكأنه صدى لما يسمعه.
وأكمل الدكتور “طحان” حول وجود خصائص معرفية، حيث أن القدرات العقلية متباينة في نموها، فقد يعجز طفل توحّدي عن الإشارة بإصبعه إلى شيء يريده في الوقت الذي يستطيع فيه أن يركّب لغزاً من مئة قطعة.
ً
وأضاف: “تشير نتائج اختبارات الذكاء إلى أن 75 -77% من الأطفال التوحديين لديهم تأخر ذهني، ولدى فئة منهم قدرات غير عادية كالذاكرة والقدرات الحسابية والموسيقية المذهلة، وتظهر هذه القدرات لدى %10، وأطلق على هذه الظاهرة اسم العالِم التوحدي”.
وختم الدكتور “طحان” حول آخر الخصائص وهي الحسية، ونوه أنه: “على الرغم من أن نتائج اختبارات السمع تؤكد على سلامة الاستقبال السمعي لديهم، إلا أن أطفال التوحد لا يستجيبون لاسمهم عند مناداتهم، وتظهر نوبات الغضب والتوتر عند سماع أصوات عالية على شكل وضع اليد على الأذن”.
كما يتميز بعضهم بعدم قدرته على التعبير عن الألم وعدم وعي للمخاطر، فالطفل التوحدي قد يشرب مشروبات ساخنة، أو يعضّ يده دون الشعور بالألم، ويقفز من أماكن مرتفعة، وفق الدكتور “طحان”.
أسباب التوحد
تشير الدراسات، وفق الدكتور “طحان” إلى وجود عدة نظريات حول أسباب التوحد، ورغم تعدد التفسيرات لكنه وحتى الآن لا يوجد ما أثبت سبباً واحداً للتوحد، فمعظم ما كتب هو مجرد فرضيات لم تثبت صحتها.
وتابع الدكتور “طحان” أن من تلك النظريات ما يبحث في دور الوراثة، ومنها ما يرد التوحد إلى الخصائص الشخصية للوالدين، ومنها ما يفسر التوحد بوجود اضطراب فيزيولوجي عصبي، كما تناولت بعض تلك النظريات عوامل ما قبل الوالدة.
وقال الدكتور رائد إن: “هناك فرضيات حديثة أرجعت الاضطراب إلى أسباب بيوكيميائية، وتشير بعض الدراسات أن للأطفال التوحديين فروقاً في الاستقلاب الدماغي، ومن الفرضيات التمثيل الغذائي، ويذكر بعض الباحثين أن الأطفال التوحديين يعانون من صعوبة في عملية التمثيل الغذائي لبروتيني (الغلوتين) الموجود في القمح ومشتقاته و(الكاسين) الموجود في الحليب”.
وأكمل الدكتور “طحان” لتلفزيون الخبر: “هناك فرضيات وراثية، وتشير بعض الدراسات إلى أن العوامل الوراثية تسهم بنسبة 4 ـ 5% في حدوث التوحد، كما وربطت بعض الدراسات بين الخلل الكروموسومي والتوحد إلا أن الباحثين لم يتفقوا على كروموسوم واحد يسبب التوحد”.
أما العوامل البيئية وتشمل، بحسب الدكتور “طحان”، مشكلات وصعوبات الحمل والولادة والمطعوم أو اللقاح الثلاثي، وهو لقاح مركب يعطى في حقنة واحدة للحماية من الإصابة بالحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، والفيروسات والأمراض المعدية، والمواد الكيماوية السامة.
وختم الدكتور رائد حول آخر الفرضيات وهي: “اضطراب التمثيل الأيضي حيث يؤدي انخفاض مستويات السيروتونين في الدم إلى اختفاء الأعراض المرضية وارتقاء السلوك التكيفي، وما تم الاتفاق عليه هو أن حوالي %5 فقط من الأشخاص التوحديين يعانون من اضطرابات أيضية”.
الأعراض المصاحبة
قال الدكتور رائد لتلفزيون الخبر إن: “هناك أعراض أخرى مصاحبة لاضطراب طيف التوحد، منها المشكلات المتعلقة بالأكل كرفض التنويع في الأكل والتركيز على أنواع محددة، واضطرابات في النوم كعدم الانتظام في النوم، وبعض المهارات التي تفوق قدرتهم الإدراكية كحل أحجية كبيرة في الوقت الذي لايستطيع فيه الإشارة إلى صورة بسيطة”.
وتابع الدكتور “طحان”: “والقدرة الفائقة على القراءة فقد يتمكن التوحديون من قراءة الكلمات في سن الثالثة من العمر إلا أن هذه القراءة تكون غير مصحوبة بالفهم للكلمة، والمواهب الخاصة التي يطلق عليها اسم العالم التوحدي وتظهر هذه القدرات لدى مايقارب من 10 % من التوحديين، وأكثرها شيوعاً القدرات الفائقة في الرياضيات والحفظ والهندسة المعمارية والرسم والموسيقى”.
ومن الخصائص البرود العاطفي الذي يلاحظ بشكل متكرر لدى الطفل التوحدي وعدم الاستجابة لمحاولة التودد، ويصف الوالدان بأن طفلهما لا يعرف أحداً ولا يهتم بأن يكون وحيداً أو في صحبة الآخرين، فضلا ًعن القصور في تطوير علاقات انفعالية وعاطفية مع الآخرين.
بالاضافة إلى نوبات الغضب وإيذاء الذات كأن يعض يده في بعض ويضرب وجهه، والضعف بالاستجابة للمثيرات الخارجية، كما ويعاني الطفل التوحدي من عدم الإحساس الظاهر بالألم وعدم تقدير المخاطر.
البرامج العلاجية
أوضح الدكتور رائد أن: “هناك عدة برامج وطرق للعلاج، أولها العلاج الطبي، مشيراً إلى أنه لا يوجد دواء خاص بالتوحد، وكل الأدوية التي تعطى للأطفال التوحديين هي للتخفيف من السلوكات غير السوية، وعلى الرغم من ظهور تحسن في بعض تلك السلوكات إلا أنه غالباً كان مترافقاً بأعراض جانبية”.
وثاني البرامج العلاجية هي التدخل التربوي، تابع الدكتور “طحان” لتلفزيون الخبر، مبيناً أن أولها برنامج “تيتش” ويعني علاج وتربية الأطفال التوحديين ومشكلات التواصل المرافقة، وبرنامج “لوفاس” وبرنامج “ليب” وبرنامج تعديل السلوك، وبرنامج “هيلب” وبرنامج الايبلز”.
وأشار الدكتور “طحان” إلى الخدمات المساندة والاختصاصية المقدمة في الجمعية ومنها خدمات التربية الخاصة، الرسم، الموسيقا، الدراما، الكمبيوتر، الرياضة، نظام التواصل عبر الصور ( بيكس) والأنشطة الترفيهية.
رسالة إلى الأهل
توجه المدير الفني في جمعية الربيع إلى الأهل بأهمية الكشف والتدخل المبكر وخاصة في مرحلة الطفولة الأولى من 3-5 سنوات، وهي مرحلة اكتمال الأعراض، علماً أنه يتم اكتشاف هذه الأعراض في عمر الأشهر الأولى من الولادة.
وأضاف الدكتور “طحان”: “وهنا تظهر أهمية التوجه إلى المكان المناسب وهي المراكز المتخصصة في تعليم وتدريب الأطفال على المهارات الأكاديمية واللغوية والتواصلية والاجتماعية والاستقلالية والعناية بالذات إلى آخره، علما أنه لا يوجد علاج طبي لاضطراب طيف التوحد حتى الآن”.
ولفت الدكتور “طحان” إلى أن: “العلاج المناسب هو العلاج التربوي والسلوكي، فمن المالحظ مؤخراً الترويج إلى طرق علاج هدفها تجاري ولا يمكن تعميمها على جميع الأطفال، وهنا يجب البحث والاستفسار عن مدى مصداقية وأثر هذه الطرق العالجية من المختصين في مجال التوحد”.
عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر