اقتصادالعناوين الرئيسية

رحلة السوريين لتأمين بدائل التدفئة..من “البعرور” حتى “السبيرتو والنايلون”

 

دفعت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة سكان المحافظات السورية للبحث عن حلول بديلة لتأمين وسائل التدفئة في الشتاء، حتى وإن اضطرهم الأمر للعودة عقوداً وقروناً إلى الوراء.

وفي وقت تصدرت التبريرات المعتادة -الموضوعية منها أو “الشمّاعة”- أزمة محروقات خانقة وغلاء هائل في أسعارها، محدودة اللترات حكومياً ووافرة على بسطات السوق السوداء، فقد وقع المواطن في أزمة متجددة كل عام للبحث عن أفضل البدائل المتوفرة.

وباتت التدفئة على الكهرباء ضمن قائمة “الأحلام الوردية” للسوريين كافة بطبيعة الحال، مع وصول ساعات القطع إلى 20 ساعة في اليوم الواحد، وبالتالي خروج هذا الحل من دائرة البدائل أوتوماتيكيا ً.

أسعار “الصوبيات” لاهبة

ومع هبوط نسبة كبيرة من السوريين إلى ما دون خط الفقر، فقد عجز الكثيرون منهم عن شراء المازوت للتدفئة بالسعر الموجود على بسطات الطرق والاوتسترادات بعد أن وصل إلى 15 ألف ليرة.

كما وارتفعت أسعار “الصوبيات” أيضا ً لتكون صفعة قوية أخرى على خد المواطن “المورّم” أصلاً من تكاليف الحياة وغلاء المعيشة إلى أرقام فلكية تتطلب الملايين، في حين أن أعلى راتب لا يتجاوز مئتين وخمسين ألف للموظف “المدلل” ممن لم يقم بسحب قرض على راتبه، وما أندرهم.

وتجول تلفزيون الخبر في بعض أسواق مدينة حمص، وتبين أن أرخص المدافئ هي الصاج (التنك) وتترواح بحسب الماركات ما بين 500_800 ألف ليرة وفق حجمها، وتبدأ الأسعار بالارتفاع حتى تصل مليون ونصف ليرة دون الحديث عن بقية المستلزمات من كوع ولاصق وغيرها.

وترواح سعر البوري الواحد بين 15_ 25 ألف ليرة بحسب النوعية والجودة، والكوع نحو 15 ألف ليرة، وبكرة اللاصق 50 ألف ليرة، وصحن المدفأة ما بين 75_150 ألف ليرة”.

“قرقوش الجلة” من روث البقر.. لهذا الحد وصلت الأمور !

لم يخطر في بال سكان بعض المحافظات أن يعودوا لاستخدام روث الأبقار في التدفئة والطبخ أحيانا ً، إلا أنه بات واقعاً ووسيلة لتأمين الدفء ووقوداً للطبخ.

يقول أبو مؤيد (60 عاماً) لتلفزيون الخبر: “عرفنا وسيلة التدفئة هذه في سنوات طفولتي عندما كنا نستخدم مخلفات الأبقار بعد تجفيفه على شكل أقراص تحت الشمس، ومن ثم إشعاله في الشتاء ليكون وسيلة للدفء رغم رائحته الكريهة وما يسببه من ضرر على الصحة.

“صوبيا الجلاية”..في المناطق الشرقية

تنتشر في المناطق الشرقية من سوريا طريقة جديدة لتأمين الدفء بشكل قريب على “قرقوش الجلة” المصنوع من روث الأبقار، وهي مدافئ “البعرور” المعروفة في مناطق الجزيرة السورية، والتي تعتمد على روث الأغنام.

وبين أحمد الغضبان لتلفزيون الخبر أن: “الكثير من الأهالي عادوا لاستخدام مدفأة ”البعرور” المعروفة شعبياً باسم “صوبيا الجلاية”، المصنوعة من نوع قوي من الحديد”.

وتابع الرجل القاطن في ريف الحسكة أن: “هذا النوع من “الصوبيات” يعطي دفئاً قوياً ويغطي مساحات كبيرة، ولهذا السبب يتم وضعها في صالونات المنازل التي تجمع العائلة خلال أيام البرد”.

“تمز” الزيتون

عاد السوريون في أرياف المحافظات لاستخدام مخلفات الزيتون في التدفئة والتي تعرف بعدة أسماء، منها الجفت، التفل، والتمز، وهو بقايا حب الزيتون بعد عصره، إذ يتم تجفيفه تحت الشمس على شكل أسطوانات.

أم علاء (من سكان بلدة سقوبين بريف اللاذقية) أشارت لتلفزيون الخبر إلى أن أرض الزيتون التي تمتلكها على أطراف البلدة تؤمن لها مونة الزيت والزيتون والعيتون في كل عام، إلا أن هذه الشجرة المباركة وفرت لها حلاً لمشكلة التدفئة أيضا ً.

وقالت السيدة، وهي أم لشابين، إن: “تمز الزيتون استخدم كوسيلة تدفئة منذ عشرات السنين، ولم نعتقد أننا سنعود للبحث عنه بعد أن كان يرمى بعيداً من قبل المعاصر، نظراً لانخفاض سعره مقارنة بسعر المازوت في السوق السوداء.

وأكملت أم علاء: “نضغط بقايا الزيتون على شكل اسطوانات بطول 30 سنتمتراً، حيث يخضع للتخمير والتشميس على مدى أشهر، قبل أن يستخدم خلال فصل الشتاء، علماً أن سعر كيلو “التمز” إلى نحو 3000 ليرة للكيلو الواحد الجاهزة للاستعمال.

رغم مخاطره..”السبيرتو” يحضر ضمن القائمة

انتشرت في السنوات القليلة الماضية أنواع جديدة من المدافئ وهي تلك العاملة على مادة السبيرتو أو الكحول، رغم بدائية تصميمها وخطورة استعمالها، إلا أن “أخاك مجبر لا بطل”، حسب قول أبو طارق.

ويقول الرجل الذي يمتلك محلاً لبيع المدافئ في حي السبيل بمدينة حمص، إن: “مخاطر هذه الصوبيا كبيرة جداً لسرعة اشتعال الكحول وسهولة امتداده إلى البرادي والاقمشة والسجاد، ناهيك عن رائحة حرقه الحادة”.

وأضاف أبو طارق لتلفزيون الخبر،: “تعد أسعار هذه الصوبيات رخيصة لا تتجاوز 100 ألف، لكنها لا تعطي النتيجة نفسها لصوبيا المازوت كما أنها غير آمنة، كونها مصنوعة من مواد خفيفة وقاعدة صغيرة قد تتسبب باندلاع النيران بسرعة”.

وعن أسباب العودة لاستخدامها، أشار أبو طارق إلى أن: “سعر لتر الكحول يتراوح ما بين 7_9 آلاف بحسب الاحتكار الموجود في الأسواق، كما أنها باتت بديلاً للغاز في بعض الأحيان لتسخين الطبخات وتحضير المشروبات الساخنة.

الحطب..”على أضرب”

رغم أن المواطن اعتاد ابتكار الحلول والبدائل للتدفئة تحت ضغط التقنين الكهربائي ونقص المخصصات من مادة المازوت المحددة بخمسين لتر فقط، إلا أن بعض البدائل لا يمكن الاعتماد عليها، بحسب أبو شادي.

وبين الرجل الخمسيني أنه: “من بين الحلول الرائجة هو استبدال مدافئ الوقود والكهرباء بمدافئ الحطب، لكن ارتفاع سعر طن الحطب إلى نحو 3 ملايين ليرة جعل هذا الحل بعيداً عن متناول الجميع أو غالبية الناس.

آخر الحلول..البلاستيك والقمامة

يعد البلاستيك أسوأ أنواع التدفئة البدائية الضارة، بالإضافة إلى كل ما يمكن إدراجه ضمن مخلفات القمامة، من أكياس وكرتون وعبوات مياه، حيث تنبعث جراء حرق البلاستيك بعض الأبخرة والمواد الكيميائية المسببة لبعض انواع السرطان.

وأصبح مشهد انتشار الأطفال قرب حاويات القمامة شائعاً، وهم المجبرون في معظم الأحيان على جمع تلك المخلفات استعداداً لفصل الشتاء، بعد تسربهم من المدارس.

انتهت الحلول..الأمر متروك للبطانيات

لم يخف عدد من سكان مدينة حمص ممن التقى بهم تلفزيون الخبر عدم قدرتهم على تأمين أي من طرق التدفئة السابقة، وتركوا الأمر للخالق وحده، بحسب تعبير أبو علي.

“50 لتر مازوت..ما بيخجلو”، يتساءل الرجل المتقاعد عن شح مازوت التدفئة المدعوم وقلة الكمية المخصصة لكل بطاقة “ذكية”، واصفاً ما يحصل “بالمسخرة”، حيث لا يمكن أن تكفي هذه الكمية أياماً معدودات في أفضل الأحوال.

وأضاف ابن حي ضاحية الباسل لتلفزيون الخبر: “ما ضل غير رحمة ربك”، فلا قدرة مالية لشراء المازوت الحر أو الحطب، كما أننا اعتدنا قضاء الشتاء تحت البطانيات في نهاية المطاف”.

على وين الدرب مودينا

يمكن استعارة هذا الشطر من “موال” لأغنية شعبية ذائعة الصيت، كونها أخفت وراءها تساؤلات الكثير من المواطنين بلهجتهم العامية على امتداد البلاد، بدءاً من “الله يستر، الجاي أعظم، بدنا نشحد الملح، تمسحنا” وانتهاءاً بمقولة “أكتر من القرد الله ما مسخ”.

ولا يمكن لأحد تجاهل الحيرة الظاهرة في عيون الغالبية العظمى من السكان، ممن “زحطوا” قسرياً من الفئة الاقتصادية المتوسطة إلى ما دون خط الفقر، وسط تساؤلات حول تدهور الوضع الاقتصادي بشكل مستمر دون أي حلول في الأفق.

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى