العناوين الرئيسيةمجتمع

بين التغيّر والاستقرار والمخاوف.. كيف يعيش السوريون “متعة الثلاثين”؟

يُعتبر عمر الثلاثين مرحلةً هامةً في حياة الفرد، حيث “تميل خصائص الشخصية للاستقرار مع مرور الوقت بدءاً من هذا العمر”، كما يقول أساتذة علم النفس، إلا أن أنها قد تتأثر بالأحداث الهامة التي يعيشها الفرد، كالزواج وإنجاب طفل على سبيل المثال، أو البدء بعمل جديد، أو حتى الأحداث السلبية والتجارب القاسية.

الزواج والإنجاب وما يرافقهما من مسؤوليات

 

وحول ما يغيره الزواج وإنجاب طفل في الشخصية، قال الصحفي جعفر مشهدية (31 عاماً) لتلفزيون الخبر إن: “رغم رفضي لفكرة الزواج سابقاً، إلا أنني في عمر الثلاثين شعرتُ بضرورة اتخاذ هذه الخطوة وتحقيق الاستقرار العائلي، وهذا بدوره يغير آلية التفكير ويفرض النضج كي لا نخذل الشريك الذي اخترناه وأولادنا”.

وبيّن “مشهدية” أنه: “في مرحلة سابقة لم يكن لدي التزامات وكنت متفرغاً للاستمتاع مع الأصدقاء، لكن بعد الزواج أصبحت لدي التزامات تجاه العائلة، واستدعى ذلك تخصيص وقت محدد خلال الأسبوع للأصدقاء، وذلك بملء إرادتي بالطبع”.

 

وأوضح “مشهدية” أن: “هناك تغير يطرأ على الشخص في هذا العمر وبعد الزواج تحديداً، فيُكسبه حالةً من النضج والهدوء يحكمان تصرفاته ويصبح أكثر عقلانية من ذي قبل، كما تتوسع الأهداف والأحلام من كونها فردية لتشمل العائلة وما يسعدها، بالإضافة إلى أنك تدرك قيمة الحياة وتصبح أدواتك في التعامل معها أقوى وأكثر متانة”.

 

وشبّه “مشهدية” الشخص في مرحلة ما قبل الثلاثين بـ “لاعب كرة قدم في مُقتبل العمر يمتلك الموهبة والطاقة، لكنه لم يُصقل بشكلٍ كافٍ ليلعب في المباريات الضخمة وينافس لاعبي الفرق الكبيرة المخضرمين”.

 

وبينما يقاطعه صوت ابنه الصغير، يتابع “مشهدية” قائلاً: “إن إنجاب طفل هو أمر خاص ومميز، ويولّد لديك شعوراً بأن العائلة هي الاستثمار الحقيقي في الحياة، وأنها تستحق أن تعطيها وقتك كله، كما أنها المعيار الرئيسي لنجاحك في الحياة، إلى جانب التحصيل العلمي والعملي الذي يساعد في تأمين سبل الراحة لعائلتك”.

 

وأضاف “مشهدية” أن: “في هذه المرحلة تدرك أن السير في الشارع برفقة ابنك، وهو جزء منك، هو هبة اختصك الله بها، وأن نجاح ابنك في حياته يعني نجاح مشروعك الذي بنيته في حياتك، وتتأكد من أن هذا المشروع هو الأبقى مقارنة بالمشاريع الفردية التي كانت تشغل تفكيرك قبل الزواج”.

 

وختم “مشهدية” بالقول: “تكمن متعة هذه المرحلة بالنسبة لي في التوفيق بين حالة النضج المترافقة مع كسر الروتين التقليدي للزواج والظروف المحيطة بنا، والموازنة بين العواطف والعقل، وفي تحقيق النجاح والاستمرار فيه”.

 

وفي السياق ذاته، بيّنت تيماء نصّور (35 عاماً) لتلفزيون الخبر أن: “الأمومة هي العاطفة الأعمق لدى المرأة، ولم أدرك معناها إلا عندما رُزقت بابنتي ساره، وعرفت حينها أن كل ما أقدمه لأمي لا يعادل ليلة واحدة سهرتها من أجلي”.

وأشارت طالبة الدكتوراه “نصّور” إلى “وجود صعوبة في التنسيق بين العمل والدراسة بالإضافة إلى كوني أماً، وأحاول قدر المستطاع التوفيق بين كل هذه الالتزامات”، مؤكدةً أن “واجباتي كأم تأتي في المرتبة الأولى ضمن الأولويات”.

 

وأوضحت “نصّور” أن “الأمومة لم تجعلني شخصاً روتينياً فأنا أجد وقتاً للاهتمام بنفسي، على الرغم من أنني أشعر أحياناً بأن جسدي في الـ 60 من العمر بسبب الضغوط والإرهاق، وأتساءل دائماً كيف حافظت أمي على صحتها رغم كل المسؤوليات والجهد”.

 

وبينت “نصّور” في حديثها عن التغييرات في مرحلة الثلاثين: “أشعر أنني أصبحت أفكر بشكل منطقي أكثر، ويغلب حكم العقل والمنطق لديّ على المشاعر في معظم الأمور، باستثناء ما يتعلق بابنتي فتسيطر عليه المشاعر دون شك”.

 

وأضافت “نصّور” : “ما زلت أحب سماع المديح بالطبع، لكنني الآن أتقبل النقد بهدوء وأركز عليه وأحاول الاستفادة منه إن كان بنّاء، وما زلت أمتلك المرونة في شخصيتي، وأشعر أنني لم أصل لمرحلة تأخذ فيها قالباً ثابتاً لا يقبل التطور”.

 

وأوضحت “نصّور” لتلفزيون الخبر، في ردها على سؤال إن كانت ما تزال تشعر بحماسة العشرين، أن: “الشعور بالحماسة ما زال موجوداً لكنه أصبح أقل مما كان عليه في العشرين من العمر، وربما السبب في ذلك هو ضغوط الحياة التي نعيشها”، مضيفةً أن “متعة الثلاثين بالنسبة لي هي الأمومة بكل ما تحمله من تفاصيل”.

 

إلى جانب البحث .. الاستقرار العملي

 

من جهته، بيّن الشاب ولاء المتني (32 عاماً) لتلفزيون الخبر أن: “أسلوب الحياة يتغير في هذه المرحلة، كونها مرحلة للتأسيس وتحديد الخيارات والاستقرار في العمل واختيار الشريك ومكان الإقامة”.

وتابع “المتني”: “تختلف العلاقات في هذا العمر عنها في العشرينات، حيث تقتصر دائرة العلاقات على الأشخاص القريبين منك مكانياً، كما يمكن أن تساهم المصالح والمنفعة المتبادلة في تحديد وتوجيه هذه العلاقات”.

 

وأضاف “المتني” أن: “اختيار الشريك في الثلاثين يصبح أصعب، وذلك نتيجة تقلص دائرة العلاقات والمعارف، إضافةً لتغير متطلبات الشخص وما يبحث عنه في الشريك، كما أن الصعوبة تزداد مع التقدم في العمر”.

 

وبين “المتني” أنه: “لم أصل للاستقرار العملي بعد، لكنني أشعر بالرضى عن المرحلة التي وصلت إليها الآن رغم كل ما مررت به، فقد أنجزتُ الكثير وتجاوزت العديد من العقبات إضافة لاكتسابي خبرة كبيرة بمرور السنوات، لكن الطموح والسعي للأفضل لا يتوقفان”.

 

ولفت “المتني” إلى وجود إيجابيات وسلبيات لتغيير العمل قائلاً: “إن تغيير العمل يُكسب الشخص خبرةً إضافية، ويحقق له عادةً مردوداً مادياً أفضل، إلا أنه يسبب حالة من عدم الاستقرار وغياب التصور الواضح للمستقبل العملي، ويترافق ذلك مع الخوف من ازدياد المسؤوليات دون أن يصل الشخص للاستقرار العملي”.

 

وأشار “المتني” إلى تشبثه بأفكاره دائماً واقتناعه بصحتها، مؤكداً أن “الجيل الذي أنتمي له لا يتنازل عن مبادئه وأفكاره وآرائه، على الرغم من أن الوقت الحالي يتطلب منا تقديم تنازلات لم نعتد عليها سابقاً، ما يسبب بعض المعاناة في التعامل مع الجيل الجديد تحديداً”.

 

وأوضح “المتني” أن: “جيلنا يمتلك حساً بالمسؤولية، وهذا ما يقيّد حس المغامرة لدينا في الثلاثين، فلا يمكنني خوض كل مغامرة أرغب بها متجاهلاً مسؤولياتي، ربما كان هذا ممكناً في العشرين قبل أن تزداد القيود والالتزامات من حولنا”.

 

وكشف “المتني” لتلفزيون الخبر أن الأمان بالنسبة له في هذه المرحلة “يتمثل بالاستقرار العملي وأن أكون بصحتي الكاملة”، مضيفاً أن “المتعة في الثلاثين بالنسبة لي هي الاستقرار وأن أعرف في أي طريق أسير وإلى أين سأصل بعد عدة أعوام، وهو ما يبحث عنه معظم الشبان منذ بدايات مرحلة الشباب”.

 

الانطلاق من التجارب القاسية لصقل الشخصية

 

بدوره، قال المهندس عامر أحمد (38 عاماً)، في حديثه لتلفزيون الخبر: “وصلتُ إلى هذا العمر بشخصية مصقولة أكثر وخاصة بعد أن أمضيت عدة أعوام في الخدمة الإلزامية، وبدأت أوازن الأمور وأحاكمها بطريقة مختلفة فأصبحتُ أكثر هدوءاً في تعاملي وأسيطر على ردات فعلي أكثر مما سبق”.

وبين “أحمد” أن: “كان الخوف واليأس يسيطران عليّ قبل خمسة أعوام، وذلك بسبب شعوري بأنني تأخرت في تأسيس حياتي، لكنني الآن في مكان أفضل وأشعر بالرضى عن التجربة التي مررت بها رغم قساوتها، كونها غيرت من طبعي وتفكيري وجعلتني أخطط للمستقبل بمنهجية مختلفة، كما أنني حققت جزءاً لا بأس به من أهدافي”.

 

وتحدث “أحمد” عن التحديات الحالية أمام الاستقرار العائلي، قائلاً: “أكبر التحديات هو عدم الاستقرار المادي والخوف الدائم مما هو قادم، كما أن تأمين المتطلبات الأساسية للحياة أصبح يتطلب العمل لوقت طويل مقابل مردود قليل، وذلك ينعكس سلباً على الصحة النفسية والجسدية للشخص”.

 

وأوضح “أحمد” أن أبرز ما تغير فيه بعد الثلاثين هو: “تعزز الإحساس بالمسؤولية تجاه أسرتي بشكل أكبر مما كان عليه في مرحلة العشرينات، فقد جعلتني التجارب القاسية التي مررت بها أشعر بقيمة كل ما عشته سابقاً معهم وأحاول الوقوف إلى جانبهم وتأمين احتياجاتهم على جميع الأصعدة”.

 

وأشار “أحمد” إلى أنه: “لم أكن بارعاً في المجاملة من قبل ولا زلت كذلك، وهذا ما يسبب لي المشاكل أحياناً في علاقاتي كون البعض لا يتقبلون أن تكون صريحاً دائماً، لكنني عموماً في مرحلة الثلاثين أرى أن معظم الأمور المستفزة لا تستحق إبداء ردة فعل حادة فأفضل الصمت”.

 

وتابع “أحمد” أنه: “أشعر أنني في هذه المرحلة أقوى مما كنت عليه سابقاً، ولا مشكلة لدي في الاعتراف بخطأي، كما أرفض فكرة الضعف وأحاول البقاء قوياً دائماً، وحتى إن تسلل الضعف إليّ فأحرص ألا أظهر لحظات ضعفي أمام أحد”.

 

وكشف “أحمد” لتلفزيون الخبر عن خوفه الأكبر قائلاً: “الخوف الوحيد والهاجس الأكبر هو تأمين حياة كريمة لأولادي مستقبلاً لأنني سأكون مسؤولاً عنهم، لكنني أحاول الصبر وطرد أي خوف من ذهني والتفاؤل بأن القادم أجمل وأن الفرصة التي أنتظرها لم تأتِ بعد”.

 

وأشار “أحمد” في نهاية حديثه إلى أن: “متعة الثلاثين تتجسد في العلاقات الاجتماعية بالنسبة لي، تكتسب في هذه المرحلة هالة معينة من الاحترام بين المحيطين بك، وتكون في مرحلة عمرية متوسطة بين من هم أكبر وأصغر منك سناً ويجعل ذلك النقاش مع كلا الفئتين أكثر راحة”.

 

يشار إلى أنه “يمكن أن تحدث تغييرات في شخصية الفرد في مرحلة متأخرة من العمر، لكن ذلك يكون أكثر صعوبة من التغير في مرحلة عمرية أصغر، كونه يتطلب تغييراً جذرياً في البيئة المحيطة بالفرد”، بحسب علماء النفس.

 

يذكر أن معظم من نالوا جائزة “نوبل” كانوا في أواخر الثلاثينات عندما حصلوا عليها، أي بعد عقد كامل على الأقل من بدء الحياة المهنية للفرد، وذلك وفقاً لدراسة تتبعت أعمار من نالوا الجائزة.

 

جلال نادر – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى