بلادنا المدهشة
بلادنا مدهشة بكل ما فيها, ناسها, همومها, فرحها, غضبها, لكنها مميزة بجد بصبرها, وكأنها تقول للكون كله: تباً لك!؟ رغم أن الحال في كل بيت فيها, إما اسوأ قليلاً أو أفضل قليلاً, والجميع في الوجع الشبيه بطعم الدمع والبارود .. سوريون, لا يطفو من أحزانهم على السطح نا نشبه الحرب, عبثيون, عشوائيون, عدميون, متعجرفون, متكلفون, وكاذبون مثلها, نحب الشيء ونقيضه, ونحلف بالله ونكفر به, نعشق الثرثرة ونكره أن نسمع أحد, نصرخ ونجرم من يصرخ, نطالب بحقوقنا ونغتصب حقوق بعضنا البعض, ندين الفاسد ونحسده, ندمدم طوال الوقت: أن مشكلتنا في عدم تطبيق القوانين, وننفجر سخطاً, عندما تطبق علينا!.
بلادنا مدهشة, سوى عشر ما يختفي في قاع القلوب!.
بلادنا مدهشة بكل ما فيها, سريعة التكيف مع كل مزاج, وزي, ولون, ولذلك فلا غرابة أننا جميعاً أصبح لا تستطيع “رغم رغبتك في ذلك”, أن تتصرف كمواطن مخدر ومدجن وفاهم لأصول اللعبة القائمة, ولا تسمح لك باختراع أمراض موهومة تتسلى بها, ولا أن تجد لضجرك المزمن أسماء فاخرة تليق به, ولا أن تسلك طريقاً مستقيماً للحصول على أتفه حاجاتك, لأن كل ما فيها, مبالغ فيه, وجدي حدود الوقاحة: الحب, الطاعة, الألم, الفقر, الغنى, الفساد, وحتماً الحرب المسورة بالحصار, حصار الخصوم, وحصار بكوات القوت!.
بلادنا مدهشة, فيها تشكو من كل شيء, لدرجة الرغبة في أن تنشر إعلاناً في احدى الصحف تقول فيه: ” أحلام عمر مفقودة, الرجاء ممن شاهدها أو سمع عنها شيئاً أن لا يبلغ أحداً, لأن أحداً, لا يهمه الأمر”!.
بلادنا مدهشة, تاريخها أكبر بكثير من حاضرها, ولذلك تسير محنية الظهر, لا تستطيع رؤية الماضي, ولا النظر إلى المستقبل, فقط ترى أسفلت الطريق, وتختصم عليه, وعلى الزمن الرديء, الذي يصبغ كل المرئيات بلونه الكالح الكئيب, ويخفي حقيقة أنها منجم ذهب مهمل, بريقه مغلف بقشرة اللهاث خلف لقمة العيش, لأن العقل لا يطعم الخبز, والناس تريد أن تعيش!.
بلادنا مدهشة, , أبحث فيها عن عابري الأهمية امثالي, والذين يراهم صانعو الخراب عقبات تسد السبيل, كي ألا أنسى كيف أغضب, وكيف أثور, ولماذا أبقى هنا, وكيف أمنع نفسي من التحول إلى صوت مازوشي في جوقة ترمي على كتف الصدفة أو القضاء والقدر, بالمسؤولية عن كل الجرائم التي تطالنا, وكأنها عقاب إلهي مستحق, ولماذا يجب ألا أتوقف عن الجري خلف الأجوبة عن أسئلة صحيحة مزمنة, كالمشنوق يحتمي بمشنقته, ويتقي بها ساطور الجلاد, ويجد في الشنق أهون الشرين, ليقينه أن الصمت على القبح مساهمة في تنشيط نسله وتناسله, والحياد أمام الفساد هو الوجه الثاني للموت اليومي المفروض, وتستر على النتيجة خوفاً من مناقشة السبب!.
لأن صناع بؤسنا يفسرون قصاصنا على صدقنا, بأنه مجرد استفسار, و يبررون موتنا العبثي بأنه أمن وقائي, وجوعنا صمود, والمشكلة أن التجييش مزاد علني ومفتوح, والمرتزقة في الداخل والخارج كثر, والوسطاء ممتنعون, ولكني خلافاً لقناعات العديد من البشر, أؤمن إيماناً راسخاً, أن تحصين الوطن, أمر يستلزم رفع الأقنعة ومسح المكياج عن وجوه من يحاربون الوطن في قلبه, ويسرقون الأمل من قلوبنا, واللقمة من أيدينا, والأغنية من حناجرنا, والعفوية من انتمائنا إليه, ويسعون لتغريبنا عنه يوماً بعد يوم, لكن ليس عن طريق قص قدمي الوطن, وتخريب ما بقي فيه من ملامح الدولة, وما بيننا من عرى وثيقة لم تستطع الحرب التهامها, رغم كل ما التهمت, لننتقل إلى سديم النموذج السوداني, أو الليبي, أو اليمني, أو الأفغاني, أمراء حرب يتقاتلون فوق جثث أبناء وطنهم على المال والسلاح وألقاب البطولة الممنوحة لهم من مراكز المخابرات العالمية, ويحرمون على الناس التي يدعون الحديث باسمها أن تختار هي أبطالها وشياطينها, دون الحاجة لشهادة حسن سلوك من أحد.
د. نهلة عيسى / خاص بتلفزيون الخبر