“بالكاسة”..مقياسٌ جديد لشراء زيت الزيتون بعد تجاوز سعر “التنكة” المليون ليرة سورية
“عمّو عبيلي فيا زيت زيتون”، ترفع الطفلة آية البالغة من عمرها 8سنوات، كأساً بلّورياً مخصص لشرب الشاي، بالكاد يصل إلى يد البائع في حي العباسية بمدينة حمص.
ملامحُ آية البريئة لا تخفي وراءها الحسرة التي ارتسمت على ملامح والديها -أغلب الظن-، في وقت باتوا فيه، كما السواد الأعظم من السوريين، يشترون المواد الغذائية بالكاسة والملعقة والصحن.
يضع البائع كأس الشاي على الميزان الإلكتروني ويملؤه بقيمة 5 آلاف ليرة وضعتها الطفلة الصغيرة في قبضتها بإحكام شديد، فوجبة الغداء اليوم هي “المجدرة” التي تحتاج إلى بعض البصل المقلّى.
وما إن تمسك آية بالكأس الذهبية، حتى يبدأ البائع أبو نايف بتوجيه نصائحه وإرشاداته كي لا تفلت من يد الطفلة، إلى أن ارتأى نهاية الأمر تغليفها بكيسٍ نايلوني وإغلاقه بإحكام بواسطة اللاصق، فحال ذويها شديد الفقر ويستوجب الحرص قدر الامكان.
“الأيام الجاية بالقطارة”، يقول أبو نايف لتلفزيون الخبر، فالظروف الإقتصادية الراهنة بالغة الصعوبة حد العجب، والناس تتكلم مع نفسها، ولا تعلم كيف تؤمن قوت يومها لا أكثر، فهي تنام على أسعار وتصحو على أخرى جديدة.
ويكمل صاحب المحل التجاري لتلفزيون الخبر بأن: “الشراء بالكاسة والملعقة والصحن باتت عادة يومية غير مستغربة على الإطلاق، لأن بعض العائلات لا تمتلك مدخولاً يمكّنها من شراء العبوات الكاملة أو بالكيلو، لذلك فإنها تشتري حاجتها فقط مهما كانت قليلة.
ويضيف أبو نايف: “بدأت ظاهرة الشراء هذه عندما كان سعر تنكة الزيت بما يقارب 400 ألف، أما اليوم فقد وصل سعرها إلى أكثر من مليون ليرة، والسؤال المطروح هنا، كيف سيشتري أصحاب الكأس الصغيرة بعد الآن؟”.
“نمط شرائي يشمل كافة المواد”، يتابع التاجر، فإن النظام الجديد يشمل شراء كأس من الزيت النباتي أو أوقية من الأرز وملعقتي لبنة، وذلك بحسب ما يتوافر لدى العائلات من المال، حتى بات استعمال الأوزان الاعتيادية كالكيلو أو نصفه من الماضي بالنسبة إليهم.
“ما حدا عرفان شو عم يصير”، لا يجد أبو نايف إجابة عن سبب ارتفاع سعر زيت الزيتون، ويكمل: “نشتري التنكة من التاجر بما يقارب مليون ليرة وأكثر، وذلك بحسب مصدرها ومكان إنتاجها، فالغربي مطلوب وأغلى من الشرقي، حسب قوله.
وليس ببعيد عن أبو نايف، وكما درجت العادة مؤخراً في مختلف المحافظات، تتجمع نساء الحي في محل لبيع الخضار للشراء “بالحبة والجرزة” وغيرها من الاوزان الدخيلة عليهن، فالشراء “بالسحارة” بات ماضياً، وبتنَ الآن يجهزن السلطة بمقدار صحن واحد.
ودون أي شك، فقد رأت عيون غالبية السوريين مشهد الأطفال الحاملين لصحن اللبنة في الصباح الباكر ما قبل الذهاب إلى المدرسة، في دليل إضافي آخر على تراجع القوة المالية للعائلات إلى حدود غير مسبوقة.
يذكر أن إنتاج محصول الزيتون لموسم 2022، وفقاً لأرقام مكتب الزيتون في وزارة الزراعة قدّر بحوالي 820 ألف طن مقارنةً بالموسم الماضي الذي لم يتجاوز 560317 طن.
وبحسب إحصاءات “المجلس الدولي للزيتون، فإن الفرد يستهلك في سوريا نحو 5 لترات من زيت الزيتون سنويا ً، بتكلفة تقارب 250 ألف ليرة، أي مليون ليرة لعائلة مكونة من 4 أشخاص، وهو ما يعادل نحو 7 رواتب لموظف حكومي دون أي حسومات منه.
ومع هذا الإرتفاع غير المسبوق في أسعار زيت الزيتون، توجهت الغالبية العظمى من سكان المحافظات السورية للإستعاضة عنه بزيت دوار الشمس البالغ سعر لتره حالياً نحو 20 ألف ليرة، وخلطه مع كميات قليلة من زيت الزيتون الذي بات حكراً على فئة قليلة من الميسورين مادياً.
وبعيداً عن صحة وخطأ التقديرات المتعلقة بنسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر من إجمالي السكان، فإن واقع الحال أوضح من الأرقام والتقديرات والتبريرات، في بلد يوصف بالزراعي إلا أن سكانه يأكلون “كل يوم بيومه” ويشترون خيراته “بالكاسة”
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر