“السربيس” في حمص.. مقرّ التحليلات الإقتصادية على أنغام “عزيز صادق حديد”
بدايةً، وقبل الخوض في تفاصيل هذه المادة تجدر الإشارة إلى أنه توجب وضع “سرببس” بين قوسين لسبب رئيسي، وهو المصدر “الحمصي” لهذه الكلمة، وتفرد سكان المحافظة وحدهم بقلب الفاء إلى باء.
على إيقاع أغنية “ميمي ميمي هزيلو” للفنان عزيز صادق حديد، المحبوب بشكل لافت في أرجاء محافظة حمص، يقود أبو نايف “سربيسه المازدا”، على خط الكراج الجنوبي في روتين يومي امتد لعشرة أعوام.
“مبينة يا خال مارح يطلع من أمرهم شي”، يتطرق الرجل الخمسيني إلى آخر مستجدات الوضع المعيشي في البلاد، المتزامنة مع انعقاد جلسة لمجلس الشعب وصفت بالإستثنائية، إلا أنها لا تتجاوز كونها مسرحية هزلية، حسب تعبيره.
ورغم اعترافه بعدم درايته الكافية بالاقتصاد و”بخاويشه عند سماعه كلمة “اونصة” من أحد الركاب، والعوامل المؤثرة في سعر الصرف والنفط الخام وغيرها من “حكي الكبار”، إلا أن هذا الأمر لا يهم بالنسبة له، فهو من اختصاص ومسؤولية المعنيين وما نريده هو تأمين اللقمة”.
“إشارة الزهرا، مشفى الباسل، عالاصيل”، يتوقف “سربيس” أبو نايف بين الحين والآخر عند نقاطِ علّام شهيرة يعرفها سكان المدينة، ليطلق عبارته الموحدة في كل مرة “يلا خالي”، قبل وصوله إلى “سحبة” الكراج الطويلة المريحة له وللسيارة، فعند هذ النقطة يستطيع أن “يبومرها”.
متحدثا ً عن عروسته “المازدا”، فخوراً بقوة محركها الذي لا يختلف على جبروته اثنان، يحكي أبو نايف لتلفزيون الخبر عن إدمان “قعدة الدركسيون” بعد أن انتشلته هذه المهنة طوال فترة الحرب من الحاجة ومد يد العوز قائلاً “الله لا يعوزنا لحدا”.
“جنناهن لليابانيين”، يضيف أبو نايف، حيث حولنا “السرببس” بقدرة قادر من باص يتسع بالأصل لعشرة ركاب إلى بولمان يتسع لعشرين راكباً، بعد إضافة مقاعد جانبية متحركة، ومقعد خلف السائق يتسع لثلاثة أشخاص أيضا ً”.
“حاسبينها عالميلي”، يتابع أبو نايف مازحاً، فحتى الممر المستعمل لوصول الركاب إلى المقاعد الخلفية تم استغلال مساحته عبر تفصيل مقعد خشبي يتسع أيضا ً لثلاثة أشخاص على وضعية “القرفصة”، حسب تعبيره.
ويشير الرجل المنحدر من قرى الغاب بريف حماه إلى أن “السربيس” يشهد كثيرا ً من النقاشات ما يجعله شبيهاً بمجلس الأمن، وأحيانا ً يكون “أوتيلاً” للنوم في ساعات الصباح الباكر أو وقت الظهيرة، عندما يخيم السكون والصمت على الركاب”.
غير آبه بشمس تموز الحارقة، يبقي أبو نايف يده اليسرى خارج النافذة، مستخدما ً إياها عند تبديل الغيار فقط، كي يثبت بها المقود، إلا أنه يفضل القيادة بيد واحدة معظم الأحيان مع سنوات العمل الطويلة.
“شوف بيكاسو والألوان” يرفع الرجل عن يده مكان المرفق، لتبدو واضحة علامات الشمس الحارقة، التي حولت يديه إلى مزيج من الألوان المتدرجة بين الأحمر والاسمر والأبيض، وهي صبغة دائمة مع تكرار العمل طوال السنوات الماضية، حسب قوله.
لتصل رحلته إلى نهايتها قرب كراج تدمر، مستعداً للعودة إياباً إلى حي المهاجرين بعد امتلاء السيارة وقبل موعد الغداء وعودته للعمل “ساعتين تلاتة” في المساء، وهو الذي “عشق السفر من غدر البشر”، على لسان عبارة منقوشة على زجاج “السربيس” الخلفي.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر