العناوين الرئيسيةموجوعين

على أنغام “أنا وحبيبي بين الآس”.. مغتربون في مقابر دمشق عبر “الفيديو

شارك صوت الفنان الراحل صباح فخري في أغنيته “جاني حبيبي” إحدى زائري مقا.بر دمشق في أول أيام عيد الأضحى المبارك، وهو يصدح من هاتفه المحمول بكلمات “أنا وحبيبي بين الآس.. والكحل حارس لعيونو”.

ويعيد الزائر تكرار المقطع عشرات المرات بصوت ضعيف وملامح غريبة مخالفة للأعراف والتقاليد، حيث يجلس “بلال” وهو في حيطان الثلاثين على الأرض، ويخالف العادات في عدم قراءة الفاتحة على أرواح “الحبايب”.

ولم يضع “بلال” مثل غيره شتلة من شجر الآس على حجر موتا.ه ليريحهم، الأمر الذي أثار فضول من حوله ليتبيّن أنه لا يمت للراحل بصلة، إنما هو صلة وصل بين فتاة في المهجر وخطيبها المتو.فّى في دمشق تصلّي له عبر خاصية الفيديو.

 

وتزرف “مايا” وهي بعمر الشباب الدموع التي لوّنت وجهها الأبيض بالكحل الأسود على ألحان الأغنية التي لازمتها منذ سنوات مضت على وفاة خطيبها إثر حادث أليم، وتفتح الكاميرا في غرفتها، وتخفض وتقوّي صوت الموسيقا كلما شارفت على الانتهاء.

 

ونعت المحبوبة عريسها بكلمات شاميّة وأسلوب تفرّدت به عن نساء العالم منها “ياريتك أنت اللي شكلت آسي”، “تؤ.بر قلبي لو كنت قادرة أوصلّك”، “تطلع على قبر.ي لو لحقت شوفك”، “تقبش.ني شو اشتقتلك وياريتني مت.ت بدالك” “يا روحي رحت وما أقدرت ودعك”.

 

“لستِ الوحيدة”

 

وغيرها الكثير من المفردات التي تعبّر عن المو.ت والفقدان التي تلفّظها شاب عبر موبايل محمول آخر بمساعدة وسيط، لكي يزور ق.بر والدته ويضع الآس فوقه، ليتثنّى له قراءة الفاتحة “صوت وصورة”.

 

كما يشاهد الشاب المغترب سقاية الورود التي سبق وطلب زراعتها حول قب.ر من حضنته، وخصوصاً التي زيّنت بها حديقة منزلهم قبيل سفره إلى ألمانيا منذ سنوات.

 

ولا أحد يعلم ما إذا كان هذا الفعل الذي قدّمته التكنولوجيا حلاً للمغتربين أو الذين نفتهم أقدراهم إلى خارج أرضهم لسبب ما أكبر من طاقتهم، و ما على لسانهم إلا جملة “لاحول ولا قوة”.

 

“هل يرتوون؟”

 

هل يرتوي اشتياقهم تجاه من يرقدون من أحبتهم و يصعب نسيانهم؟ هل يحصلون على راحة نفسية وعزاء الفراق بفضل هذا الوسيط؟

 

“الفضل لله.. هذه التفاصيل تعني الكثير للذين في الخارج”، يقول أحد المغتربين: “كنت قبيل ساعات من حلول العيد في دمشق التي ترعرعت بها، أشتري الآس واحضّره، كما يريد والدي دون أن يعني لي شيء، ولكن الآن في البعد اتذكّر ويصعب الرحيل”.

 

ومن منّا لا يتذكر شوارع عاصمة الحضارات ومدينتها القديمة، “دمشق” التي تنحفر في الذاكرة مهما طالت المسافات عنها، تشعر كما لو تركتها منذ قليل، رغم أنك غادرتها منذ أكثر من عشر سنوات.

 

وترهقك “دمشق” في تفاصيلها بكل ما احتوته لك من نجاحات وآلام، وكلما حلّت مناظرها ضيفة على أذهانك تنتظر العودة رغم الغياب الذي طال.

 

“ماعادت حلوة متل أول”

 

“ما عادت حلوة متل أول”، جملة تتكرر كلما حاول أحد المغتربين التعبير عن اشتياقه للشام، وحب عين الفيجة وبردى والربوة وقاسيون، وأسواقها الحميدية والبزورية وحاراتها منها القيمرية والجزماتية، وأضرحتها وأهلها وكل مافيها حتى من ضائقات.

 

ويقول من بقي فيها: إنها “باتت جميلة في ذاكرتكم فقط، ولكنّها في الحقيقة مدينة حزينة، وعيشتها لم تعد كريمة، فاحتفظ بحكاياتك القديمة ولا تعد أبداً”.

 

ولكنها “دمشق” بالأحاديث التي لم تنتهِ مهما تحدّثنا عنها في عشرات االمواد الصحفية، فإنها رغم كل أحزانها مازالت تحتضن أبنائها كما باقي محافظات سوريا.

 

“رغم آثامها تُحييهم”

 

“دمشق” التي مازالت تستقبل الأعياد بفرح رغم آثامها وتحيي لأبنائها مظاهرهم الاجتماعية، فأنتهى المسلمين من أداء صلاة العيد، وسارعوا لزيارة المقا.بر، ليلقوا على أحبّتهم المعايدات.

 

ويحملون بأياديهم القرآن الكريم، رافعين أكفّهم لتلاوة الدعاء مع باقات الآس والزهور، وينعونهم بأجمل الكلمات منها للشاعر نزار قباني في رثاء ابنه “توفيق”: “لو كان للمو.ت طفلٌ لأدرك ما هو مو.ت البنين”.

 

وكثيرون ممن استشهدوا في قذ.ائف الها.ون وانفجار.ات الحر.ب وجبهاتها التي أثقلت كاهل أبنائها، وأوقدت بهم جر.حاً وفقداناً، وهم أيضاً يستحقّون تلقّي المعايدات في زيارة مقا.برهم شأنهم شأن الأحياء.

 

وتعبّر العائلات عن أحزانها بالبكاء والصلاة، حيث يلملمون انكساراتهم، ويعزّون أنفسهم بأن الذين رحلوا انتقلوا إلى مكان أفضل مما هم عليه، وما عليهم سوى القول: “سقالله لمة العيلة وفرحة العيد يا كل العيد يا ابني الشهيد”.

 

كلير عكاوي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى