العناوين الرئيسيةمجتمع

في حب مدينة جبلة وطقوس عيدها بين عامي 2008 و 2010

ينعش العيد ذاكرتنا، و يراود الكثير ذكريات وتفاصيل أجواء العيد، ويُعرف تميّز واختلاف طقوس تلك الأيام المباركة في المناطق والمدن السورية، إلّا أنه على اختلافها كان للعيد نكهة خاصة وتحضيرات مختلفة بين عامي 2008 و 2010، على لسان غالبية السوريين.

لن نستذكر في هذه المادة فروقات الأسعار ولا التغيّرات التي جسدتها آثار الحرب والظروف الاقتصادية والتي غيّرت الكثير من عادات السوريين، لا بل قلّصتها حتى باتت فرحة العيد مكللة ب (غصّة)، إنما فقط الحديث عن ذكريات العيد في تلك الفترة.

 

في حب مدينة جبلة وطقوس عيدها

اسمحوا لي بمخالفة قواعد بناء المادة الصحفية في متنها، وأن أعبر عن حب طقوس مدينتي وعيدها ماقبل الحرب، لكن لن أكون متحيّزة وأنانية في الحديث عنها، وسأترك الوصف على لسان بعض أبنائها.

تتحدّث السيدة “مها” (50 عام): لتلفزيون الخبر عن أجواء العيد في تلك الفترة قائلة: “كان دخلي الشهري 7 آلاف ليرة، كنت بمبلغ 500 ليرة أقوم بجولة مع أطفالي الثلاثة في كل أنحاء مدينة جبلة خلال أيام العيد، حيث كانت أجرة السرفيس 15 ليرة آنذاك”.

وأضافت: “كانت التذكرة الواحدة في مدينة الملاهي 10 ليرات، ثم كنا نذهب لأكل حلو (السيلانة) كان ثمن كغ منها 35 ليرة، كانت (العربايات) التي تبيع حلو (القرع) تجوّل في الشوارع، وكانت تكلفة القطعة منها 5 ليرات، ولم تكن تكفي أيام العيد مخططات أطفالي”.

 

وأكملت “مها” حديثها: “ثم يطلب أطفالي الذهاب للصعود على قطار الحلوين كما كان يسمى، حيث كان الصعود بعشر ليرات، والصعود على ظهر الحصان أيضاً (الحنتور) ب15 ليرة”.

 

وتابعت السيدة الخمسينية أنّ “مبلغ 2000 ليرة كان يكفي أن أشتري لأطفالي أجمل ثياب العيد، وبعد الانتهاء من الجولة نختتمها بتناول سندويش الشاورما حيث كانت الواحدة منها ب 35 ليرة”.

 

“إن عادت الأماكن فمن يعيد لنا الرفاق”، هكذا ابتدأ الشاب خليل (33 عام) حديثه لتلفزيون الخبر ويقول “البعض يعتقد أن بهجة وفرحة العيد مرتبطة فقط بالأطفال، لكننا كنا ننتظر (عجقتها) بفارغ الصبر، وكوننا قاطنين في ضواحي مدينة جبلة”.

 

وأضاف الشاب: “كنا نتحضّر ونتفق أن نجتمع مع جميع أفراد (الشلة)، فمنهم من كان يدرس في حلب، ومنهم من كان في خدمة الجيش”.

 

وأكمل “خليل”: “كانت البساطة حاضرة في جلساتنا، نكتفي بأخذ الأراكيل ومشروب المتة والراديو، ونذهب للسهر على رصيف كورنيش جبلة ليلاً حتى يظهر ضوء الشمس، ولا ينتهي اليوم دون تناول كنافة (مريش) الحاضرة في جميع جلساتنا.

 

وأوضح “حيث كان ثمن القطعة آنذاك 10 ليرات فقط، وصباح اليوم التالي كنا نذهب لتناول فلافل من محل بسيط جداً (أبو حطب) حيث كان مقصد الجميع، وأذكر أن ثمن السندويشة كان 10 ليرات، ويعطينا الثانية مجاناً (كعيدية)”.

 

ويشير الشاب الثلاثيني إلى فقدان سهرات العيد الشبابية اليوم، فلم تعد لمة الشلة حاضرة، أحدهم استشهد خلال الحرب، ومنهم من سافر إلى خارج البلاد على أثر الظروف، قائلاً: “لو كان الكورنيش حاضراً، و(عدة) السهرة كذلك، فمن يعيد شركاءها”.

 

تتحدّث أيضاً الشابة المغتربة ميريانا (31 عام) لتلفزيون الخبر عن “متعة (لبكة) العائلة قبل أيام من قدوم العيد، حيث كان الجميع يستيقظ باكراً لتنظيف المنزل، والبدء بتحضير كمية كبيرة من حلويات العيد (معمول بجوز، الكرابيج مع الناطف، كعك العيد)”.

 

وتتابع حديثها: “بالرغم من كوننا أربع شابات نشارك والدتي في العمل، إلّا أننا كنا نستغرق وقتاً طويلاً، لأن العمل مكللاً بالغناء، والضحك، حيث لم يكن هناك عجلة كون الكهرباء متوفرة طوال الوقت”.

 

وتسترسل “ميريانا” : “بالرغم من صنع الحلويات، إلّا أننا كنا نمشي ليلاً لأكل سلطة الفواكة من محل (جركس)، لم يكن يعنينا الجلوس في كافيهات ومطاعم، رغم أننا ميسوري الحال، كنا نأخذ (ترمس) القهوة والحلويات، للجلوس على عشب حديقة السلطان في المدينة، وكنت ألاحظ سعادة الأطفال وصرخاتهم لاستقبال العيد”.

 

وأضافت “ميريانا”: “كنا نذهب في اليوم التالي لزيارة قرى جبلة، والنظر إلى الشلالات والينابيع، كان أبي يعشق أن يشرب من مائها العذب ويقول إنها ترويه، كنا نقصد امرأة تدعى (ماري) لديها صاج بسيط على طريق قرية القطيلبية، لأكل خبز التنور والفطائر، كانت تهنئنا بالعيد، وتقدّم لنا كاسات الشاي الذي أُعدته على نار الحطب”.

 

وأكملت الشابة: “تغرّبنا أنا وأخوتي، وسافرت إلى عدة دول، إلّا أنني أبكي في كل عيد بدلاً من الفرح، أغص بدموع ذكرياتي مع عائلتي، وأتمنى أن يعيش أطفالي تلك العادات البسيطة الدافئة والمفرّحة”.

 

الجدير بالذكر أنّ أسماء المحال المذكورة في المادة ليست بغرض الإعلان، فقط تمّ ذكرها لاستحضار ذكريات يتجاوز عمرها سنوات، ومرتبطة بالكثير من سكان مدينة جبلة.

 

يشار إلى استمرار الكثير من تلك العادات في العيد في مدينة جبلة، وازدحام الكورنيش خلال أيامه، إلّا أن أجواءه قديماً كانت حاضرة أكثر لظروف باتت معروفة لا داع لذكرها.

 

فاطمه حسون _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى