عائلات تبتكر حلولاً لتأمين كسوة العيد من العدم.. فهل تشاركون “القلّة” مع أطفالكم؟
يتكرر مشهد الأريكة الحمراء التي كانت تجلس عليها جدة “هبة” في العيد بذاكرتها، وهي تستند بيدها المتجعّدة على عكازتها، وتتألّق بفستانها الأسود مع عقد اللولو وعلى رأس لسانها جملة لطالما ردّدتها “كُل ما تشتهي نفسك و البس ما يليق بين الناس”.
ونفّذت “هبة” (40 عاماً) نصيحة “جدتها على أطفالها، وباتت تشتري ما لذ وطاب لهم، من أطعمة وألبسة وأحذية جديدة فوّاحة برائحة الجلد حتى السنوات الأخيرة، التي انقلبت فيها الموازين بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية”.
وأودت الأوضاع الاقتصادية بعملية “إكساء الأطفال في العيد” إلى مرورها بعدّة مراحل عاماً تلوى الآخر، وكانت مرهونة بابتكارات الوالدين، و”الشاطر” من ينجز إبداعه بأقل جهد وتكاليف وضغط نفسي الذي بات يعانيه كليهما فور اقتراب المناسبة.
إلا أن “نور” (45 عاماً) “ابتكرت أسلوباً جديدً مع أطفالها وهو “التفاوض”، فجلبت لهم ثياباً في عيد الفطر، ثم اشترت الأحذية في عيد الأضحى كعملية تجميعية وصحيّة للـ “جيبة” مع مشاركتهم ما تتعرض له العائلة من قحط وضغط وقلّة دخل”.
“وكيف يدخل طفلي ليلعب مع ابن خالته الأكبر وهو يرتدي ثيابه؟” يتساءل “أمجد” (53 عاماً): “إذا ما كانت أمه فنانة ومبتكرة في إعادة تدوير ملابس العائلة، سواء بتكبيرها أو تصغيرها دون إخباره كي لا يشعر أن غيره أفضل منه”.
وربما تكون هذه العائلة واحدة من عشرات العائلات السورية التي تلجأ إلى الاستعارة، وتسعى إلى سترة أطفالها التي بات ثقلها كبير في ظل ارتفاع الأسعار بالأسواق المحلية.
“”ولسنا الأفضل لكننا الوحيدون” جملة كتبها صاحب محل على واجهة البالة في دمشق، دلالة على كثرة الثياب المستعملة، ولكنه الأرخص في بيعها، لأنه يقدّر زيارة الليرة السورية “كل حين ومين””، كما تحدث “عامر” (55 عاماً) أرمل وأب لثلاثة أولاد”.
وربما الهروب من التفاصيل هو أكثر ما حاولت فعله “سميّة” (55 عاماً)، حيث أحاكت “لأطفالها ثياباً للعيد من فستان قديم لها بحجة أنها تميّزهم “من شغل يديها”، ليس لأنها لا تملك المال، وتحاول من الحاجة أن تصنع اختراعاً”.
ولم تكن المشاهد السابقة مجرد “بروفة” لمسرحية ما، بل كانت كل شيء عن شيء في هذه الحياة التي قست على أبنائها وهم في أمس الحاجة إلى الابتسامة بعد سنوات من الحرب، عدا عن الذين خُلقوا في خضمها ويحاولون إقناعهم بأن العيد في بلد الحضارات كريم ومعطاء.
بدوره، الدكتور في علم النفس والاخصائي في التحليل النفسي علي عمار أكد لتلفزيون الخبر أن “مفهوم العيد لدى الطفل غالباً هو شراء الثياب الجديدة أو الألعاب أو اللهو وتناول الأكلات اللذيذة مثل أصدقائه، لذا من الصعب نقل الفرح إليه دون ارتباطه بالأمور المادية”.
وأشار “عمار” إلى أن “الوضع الأسلم هو التوضيح للطفل الظروف الصعبة التي تمر بها العائلة، عبر جمل بسيطة مع إيجاد وسائل بديلة أهمها الاهتمام به، وتعويضه بنزهة واللعب معه، وتناول الفوشار مثلاً”.
وتابع “لا داعي لخلق الحجج مهما كان عمر الطفل لأنها بشكل أو بآخر تعلّمه الكذب أو الخداع عبر وضع الأقنعة وعدم مواجهة الحقيقة، وبالتالي يجب أن يكون الطفل على دراية بالواقع للتكيّف معه”.
وأضاف “عمار”: “عندما يلمس الطفل الواقع ويشعر بما يواجهه والديه من ظروف سيتفهم، ولن ينظر إليهما على أنهما مقصرين في تأمين مايرغب، ولو لبس عن غيره لن يشعر أن الأخير أفضل طالما أسلوب التعاطي معه كان جيداً”.
“ويرتبط معنى أذيّة الطفل بعدم تحقيق الوالدين لحاجاته عن سابق إصرار، أما في عدم قدرتهم على تحقيق ذلك، سينضج الوعي لدى الطفل وسيعلم أنهما لم يحرماه عمداً، ثم يستذكر حنيّتهما بطرق أخرى”.
وأردف اخصائي التحليل النفسي: “عندما تضم طفلك وتقبّله وتقول له كلمات تعبر عن محبتك وتلعب معه، فهذا يكفي ليكون بالنسبة له عيد لأن الإشباع العاطفي والتلامس والتلاصق الجسدي لتقديم الحنان والعطف تغنيه تماماً”.
“وعندما تحضّر أو تشتري له أي شيء بسيط ولو قيمته المادية 100 ليرة سورية، سيقدّر فكرة جلب الأشياء عند وجود المال، علماً أن 80 % من العقد النفسية لدى البشر تعود لعدم حصولهم من ذويهم على الحاجات النفسية والعاطفية والمعنوية وليس المادية”.
ويجهد الوالدين لـ”ترقيع” الواقع لأطفالهم ويحاولون تجميله مع عرض الحقائق، ولكن من يستطيع ترقيع ما فقده الآباء من قوة وعزّة وصرامة؟ وسط تتالي الأزمات في محاولة منهم للمحافظة على هذه المؤسسة الزوجية التي بنوها وتأصّلوا في جذورها ويناهضون في ترميمها رغم عجزهم.
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر